يوما، في ليل عدن، في تلك الأعوام البهية، كنا عشرة شيوعيين، طلابا في الدورة العسكرية الخاصة، وفي ساعة حنين غنينا حد طفرت دموعنا. كان حامد بقامته النحيفة، يدور في شقتنا في (الشيخ عثمان) يغلق الشبابيك حتى لا تصل أصوات نشجينا الى الجيران، وكان سامي، وهو يقرض أضافر أصابعه، يضحك على جنوننا، وهشام مسبلا عيونه يقود الجوقة بحماس كأنه على خشبة المسرح الوطني:

(الى متى تمضي السنون

ويمزق القلب السكون

ونحن من منفى الى منفى ومن باب لباب

نَذْوِي كَمَا تَذْوِي الزَّنَابِقُ في التُّرَابْ

فقراء يا وطني نموت

غرباء يا وطني نموت

وقطارنا ابدا يفوت

ونحن من منفى الى منفى ومن باب لباب)

....

وها انت يا قاسم فجأة تغلق الباب الابدي خلفك وتتركنا، دون وداع، دون إيضاح، دون ...

كأنك تغادر الى (البريقة) لتشاهد فيلما وتعود لنا حاملا أكياسا من فاكهة لم نطلبها.

تغادر كأنك على موعد فتتأنق كعادتك دون الإلتفات لقفشات فائز المستفزة.

تغادر دون ان تلتفت، مدركا بأن نبيل وحسان سيلحقون بك، مثل كل مرة، قبل ان ...

رفيقي قصي ... لقد سبقك الرفاق من مجموعتنا الفريدة: حامد، حسان، نبيل، سامي، فائز ...

نحن قادومون، أنتظر، تمهل، لم يبق لنا سوى حفنة غصات وبضع احلام لم تكتمل، لكننا يا رفيقي فخورين بكوننا قدمنا لشعبنا وحزبنا كل شبابنا لأجل ان يسير هذا القطار صوب محطته الأخيرة، محطة (الوطن الحر والشعب السعيد)

وها انت تترجل أيها الفارس، دون اشعار، فأرجوك لا تغلق الباب تماما... نحن قادمون!

 هلسنكي ـ الساعة الثالثة فجرا

 ٨ اذار ١٩٢٢

 * الشهيد ملازم حامد : وهاب عبد الرواق

* الشهيد ملازم حسان : جبار شهد

*  الشهيد ملازم نبيل : نضال حمزاوي عبدنور

* الشهيد ملازم سامي : ناظم مصطاف عبد الأمير

* الراحل ملازم فائز : سلام جليل ابراهيم

* الراحل ملازم قصي : قاسم ناظم

  صورة  لمجموعة الأنصار، في اول أيام وصولنا الى كردستان، وأظهر في طرف الصورة مع الراحل الرفيق قصي

عرض مقالات: