طريق الشعب

لم يعد الموقف الوبائي الذي تصدره وزارة الصحة للإصابات المؤكدة بفيروس كورونا يشكل أهمية لدى العراقيين، بقدر وضع المؤسسات الصحية والخدمات التي يتلقاها المواطن بعد بدء الأعراض عليه، خاصة بعد تعاظم معرقلات التأكد من الإصابة، فضلًا عن عدم وجود مسار واحد للفيروس وهو يثبت أقدامه في جسم الإنسان، إذ يتحدث أطباء عن تفاقم إصابات بالرغم من بساطة الأعراض فضلًا عن تباين وسائل إثبات الإصابة.

وحدها كتائب الجيش الأبيض تواجه الوحش على خط التماس، وسط تكتم السلطات عن كشف حقيقة الواقع الصحي، وسط تزايد التسريبات من كواليس الميدان من خلال المقاتلين هناك، ناهيك عن حديث المواطنين عن تعاطي المؤسسات معهم بعد مراجعتها. فمنذ نحو أسبوع يحاول فاضل زيدان إجراء الفحص للتأكد من إصابته بالفيروس، بالرغم من الأعراض التي أخذت تتقدم، ولا يملك زيدان أي خيار سوى أن يطبق تعليمات الحجر والوقاية في منزله، ليشكل خطرًا على عائلته والمحيطين به، خاصة في ظل تهاون كبير من كثيرين في التعامل مع الوحش الخفي.

يقول زيدان خلال حديث لموقع "ألترا عراق"، إنه "بدت الأعراض التي تداهمني منذ أيام خفيفة، ذهبت للفحص فحولني الطبيب إلى المستشفى المخصص في المحافظة لمصابي كورونا، فشلت بعد أكثر من 3 ساعات في الحصول على من يهتم بي"، مبينًا أن "حالات كثيرة كانت هناك معظمها معاناتها أكثر مني، ما دفعني إلى العودة".

أضاف زيدان "لم أجر الفحص بسبب عدم وجود ما يسمونه بـ(الكت)، نصحوني أصدقاء في الكوادر الصحية بالذهاب إلى البيت، وحجر نفسي، أفضل من التواجد وسط حالات متقدمة تتزاحم في أروقة المؤسسات، وأخذ العلاجات المعتمدة في بروتوكول وزارة الصحة".

يتساءل زيدان، عن تصرف الفقراء وعامة الناس في هذه الظرف والضيق المالي لهم بعد تعطل معظم الأعمال، ويقول إن "وضعي المالي وشبكة علاقاتي اختصرت الطريق واتخذت التدابير اللازمة التي تسير بي وفق وضعي الحالي نحو الشفاء".

بدوره، يقول البكترولوجي "ك. م"، والذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب وظيفية، إن "حقيقة التقصير الحكومي بدت واضحة بعد تزايد الحالات المشتبه بها، فلم يعد الآلف (كت)  - وهو هو العلبة المخصصة لأخذ العينة من أنف أو دم المريض، وتحتوي على مواد خاصة تحافظ عليها - رقمًا كبيرًا مقارنة بعدد الفحوصات التي نجريها يوميًا، ما جعل الأطباء يجنحون إلى طلب الفحص وفقًا للحالة الأكثر سوءًا"، موضحًا "قسمنا الكادر العامل على جهاز الـ"PCR" الذي يجري بواسطته الفحوصات ويعطي النتائج النهائية في عموم المحافظة، إلى ثلاث وجبات نعمل 24 ساعة في وتيرة واحدة لإنجاز أعلى نسبة ممكنة".

أضاف "ك.م"، وهو من إحدى محافظات الوسط خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "النقص في "الكت" دفعنا إلى الاعتماد بشكل أولي على إجراء فحص المفراس والذي يعطي تصورًا أوليًا عن الحالة، مستدركًا "لكن حالات غريبة شاهدناها، لدي مريضين وهما من زملائي، الأول أظهر المفراس إصابته بكورونا بصورة واضحة فضلًا عن الأعراض، لكن نتائج الفحص سالبة، والثاني على العكس المفراس يظهر عدم إصابته لكن الفحص كان موجبًا"، لافتًا إلى أن "حالات الوفاة التي يتم تشخصيها بالمفراس ولم يجرى لها الفحص المختبري لا تدخل في إحصائيات الوفاة".

من جهته، يقول طبيب في إحدى المستشفيات المخصصة لمصابي فيروس كورونا، "بعد ارتفاع الحالات نوصي بالحجر بالبيت للحالات التي لا تظهر عليها أعراض قوية، فيما يتم إدخال الحالات المتقدمة إلى الردهات وتقسم حسب الخطورة"، مبينًا أن "النقص الكبير في أجهزة التنفس الاصطناعي أجبرنا على التعامل وفق معيار الحالة الأكثر تدهورًا".

لا يخفي الطبيب خلال حديثه "معاناته من تعاطي المواطن مع الكوادر الطبية وتحميلها المسؤولية المباشرة عن تردي الخدمات الطبية" معلقًا "نحن الأكثر تعرضًا لخطر العدوى من ذوي المريض المحجور، وفقدنا الكثير من زملاءنا، والإصابات بيننا في تزايد، وهذا واجبنا وسنكمل المهمة إلى النهاية، مستدركًا "لكن يجب أن يفهم الجميع إمكانياتنا ويوزع المسؤولية والتقصير بمنطقية ووعي، وأبسط مثال على ذلك هو ترك عمال الخدمة العمل لتدني مستوى رواتبهم والعمل الشاق بحمل قناني الأوكسجين، فضلًا عن مخاوف العدوى".