مرت قبل أيام قليلة الذكرى السابعة والثلاثون لأغتيال المرحوم الشهيد المهندس الشاعر أسعد محمد رضا الشبيبي . عرفت المرحوم منذ أواخر الستينات عندما ساعدته في حملة انتخابات نقابة المهندسين  ومن ثم عندما عمل في المؤسسة العامة للمشاريع النفطية في السبعينات التي كنت اعمل فيها أيضا. كان المرحوم مثالا للانسان الوطني و المهني الحريص على مصلحة وطنه والشريف في تعامله مع زملائه أو مع الشركات المقاولة التي كان مسؤلا  عن الاشراف على عملها.

 لقد كتب عدد من الكتاب (بن الكوفة، الدكتور منور المظفر و جاسم المطير) عن الشهيد الذي اغتاله نظام صدام حسين وقد حاولت أن أختصر ماجاء في تلك المقالات فيما يلي:

هو الأستاذ المهندس أسعد بن الشيخ محمد رضا بن الشيخ جواد بن محمد بن شبيب بن راضي بن إبراهيم بن صفر بن دليهم ، أحد أعلام الأسرة الشبيبية المعروفة في العراق ، التي خرجت الكثير من العلماء والأدباء والساسة ، ويرجع نسبها إلى (المواجد) أحدى أفخاذ قبيلة بني أسد العربية الأصيلة .

وجده الشيخ جواد الشبيبي الفقيه الشهير والمعروف في النجف بشيخ الأدب في عصره ووالده العلامة الكبير الشيخ محمد رضا الشبيبي  (المتوفى في 26 تشرين الثاني 1965) الذي كان من أركان العلم والشعر والأدب في العراق ورئيس المجمع العلمي العراقي وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة والمجمع العلمي العربي بدمشق ومن رجال السياسة البارزين في العراق أدى الكثير من الخدمات الوطنية كما كان المستشار الأمين في الأزمات المستعصية وقد استوزر لأول مرة عام 1924 في وزارة ياسين الهاشمي لوزارة المعارف ثم استوزر بعدها أربع مرات آخرها سنة 1947 بوزارة السيد محمد الصدر .  ولم تشفع كل هذه الخدمات الجليلة والدور الكبير الذي أداه الشبيبي الوالد من أجل استقلال العراق وتقدمه ورفاهيته، ولم يلتفت إليها نظام البعث الحاقد على كل ما هو عروبي مخلص ووطني أصيل ، فأماتت الوالدة كمداً وبصورة غير طبيعية ففقد العراق به زعيماً لا يعوض ، هذا في نظام البعث الأول بعد انقلاب 8 شباط 1963 ، وفي نظام البعث الثاني بعث بعصابة مجرمة فاختطفت ولده الأستاذ أسعد الشبيبي حين خرج من داره لجلب الخبز لعائلته صبيحة يوم 26/11/1980 إلى أن تمت تصفيته كما هو حال الكثير من أبناء العراق الشرفاء الذين اختطفتهم عصابات البعث وقامت بتعذيبهم وقتلهم ليصفي لها الجو في التلاعب بمقدرات العراق السياسية .

وبالتأكيد لم يكن اختطاف الشبيبي الأبن صدفة ، فهو شخصية وطنية معروفة ومن أسرة لها دور في استقلال العراق ، ولهذا فإن اختطافه معناه تغييب الرموز الكبيرة المخلصة للوطن وانتقام سافر من زعماء ثورة العشرين المجيدة ، لا .. لم يغب أسعد الشبيبي فذكراه باقية كما هو ذكرى الآلاف من المواطنين العراقيين الذين اختطفوا معه منذ عشرين عاماً ذكراهم لم تغب ودمهم لم يذهب هدراً فشجرة الوطن المعطاء أثمرت الآلاف الأخرى بل الملايين من أبناء الرافدين الغيارى .

ولد أسعد الشبيبي في بغداد سنة 1351هـ ـ 1932م وبها نشأ ودرس ، وانتقل عام 1950 إلى بريطانيا وانتسب إلى جامعة لافبرة فدرس بها هندسة الكهرباء وعاد إلى بغداد عام 1955. عاد الى العراق في العام ١٩٥٥ ليعمل مهندسا حكوميا. وبعد انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ فصل من الخدمة لأسباب سياسية وطورد وأعتقل فغادر العراق الى مانشستر في بريطانيا لكنه ما لبث ان عاد الى العراق بعد سنة ليعمل في القطاع الخاص إلى أن إلتحق من جديد بالوظيفة الحكومية بعد عام  ١٩٦٨.

عمل مهندساً في مصفى الدورة ، وفي شركة سمنت الفرات في سدّة الهندية ،  ثم تسلم المسؤولية التنفيذية  لمشروع كبريت المشراق في الموصل فأشرف على انجازه بجدارة،  كما عمل في الموْسسة العامة للمشاريع النفطية في السبعينات حيث كان احد كبار المهندسين  والمدير التنفيذي لأحد أضخم مشاريعها وهو مشروع انتاج الغاز المسال في الجنوب ، لغاية اعتقاله عام 1980 . متزوج من سيدة بريطانية منذ عام 1955 وقد أنجب منها : جنان 1956 ، نيران ـ زينب ـ جواد ـ زيد . وهو الإبن البكر للعلامة الشيخ محمد رضا الشبيبي (1306 ـ 1385هـ) وكان المهتم الأول بما خلفه والده من الكتب والدراسات والمذكرات .عرف بدماثة خلقه وكرمه وتواضعه ، وجرأته في الحق ، والتزامه بقضايا الوطن . كان شاعراً مطبوعاً كأبيه وجده وله ديوان شعر مخطوط وكتابات كثيرة بعضها مطبوع وغالبها مخطوط .

ومن شعره مطلع هذه القصيدة التي أنشدها عام 1949، بمناسبة وفاة الإمام علي عليه السلام:

أجلت طرفي في تأريخك الحسن         حتى فقهت سمواً منك يسحرني

لو أن غيرك يحوي نطفة صغرت            مما حويت لخلت الوهم يخدعني

ركبت متن حياة رحت تلهبها              حتى سبقت ركاب الناس والزمن

آخيت بين جميع الناس فاتفقوا                   ألا يفرق بين الغصن والفنن

ما كنت تشربه صفواً بل كدرٍ                     والغير يجرعه كالمالح الأسن

عرف بالصدق والتواضع في الخلق ، وبالاخلاص في العمل ، كما عرف بجرأته في الحق ، وبحبه للوطن والتزامه بقضاياه مما سبب له مشاكل مع حكومات العراق المتعاقبة. وكان مهتما بالمحافظة على تراث أبيه فقام بتحقيق وثائقه ومذكراته. نشر قسما من تلك الوثائق في مجلة الثقافة الجديدة كما نشر صفحات من تلك المذكرات في مجلة البلاغ بعنوان شذرات من مذكرات الشيخ محمد رضا الشبيبي، والحقها بتعليقات واضافات واسعة عن حركة الجهاد ضد احتلال بريطانيا للعراق.كان نشطا في المجال الطلابي في بريطانيا حيث كان أحد المؤسسين لجمعية الطلبة العراقيين ، كما كان من النشطاء في المجال النقابي في العراق.

ويذكر اسعد الشبيبي ان اباه كان يسجل ذكرياته على اية ورقة يجدها امامه وحتى على اغلفة الرسائل والاضابير، فكانت مهمته شاقة وطويلة الا أن الزمن لم يسعفه طويلا،  ففي صبيحة  ١٩٨٠/١١/٢٦ (وهو يوم ذكرى وفاة أبيه) أختطف - وهو في قمة عطائه - من أمام منزله عندما كان في طريقه لجلب الخبز لعائلته ولَم يعد بعدها أبدا،  وبعد سنوات عديدة أبلغت سلطات البعث أهله أنه تم إعدامه. لم يكن المرحوم اسعد الشبيبي يخفي امتعاضه من الحروب العبثية للنظام في ذلك الوقت تلك الحروب التي تسببت في توقف و تدمير مشاريع عمل فيها بكل إخلاص وتفاني.

كان شاعراً مبرزا كأبيه وجده وأكثر شعره غير مطبوع. كتب قصيدة (دموع ودماء) في حفل أقيم في القاهرة  لتأبين والده الشيخ الشبيبي - اختلف مع السلطة قبل وفاته في العام ١٩٦٥ -  فقال له الدكتور طه حسين " قصيدة فيها الصدق و العاطفة و الوضوح في كل ما أردته من القول .لكن ألم تخش من الحكام في العراق و أنت تتناولهم بهذا الاسلوب ? " فأجاب الشهيد أسعد في حينه : هذا قدر والدي , و هو قدري أيضا و قد صدق حدس الدكتور طه حسين فقتل فيما بعد حكام العراق اسعد الشبيبي الذي قال:

أنا إبن ذاك الشبيبي، نومه                     حياة،وعيش التافهين هجوع

رحم الله اسعد الشبيبي فبإعدامه حرم العراق من طاقة خلاقة في الهندسة والشعر والأدب والوطنية الحقة.

 

عرض مقالات: