طريق الشعب
تأطرت حياة العراقيات على مدى السنوات الماضية بأوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة. ولعل الغالبية كانوا يعتقدون أن نساء العراق بعيدات عن السجالات السياسية وغافلات عن قضايا الوطن الأخرى، إلا أن انتفاضة تشرين، أتاحت لهن إطلاق أصواتهن عبر المشاركة الفاعلة في الحراك الشعبي، والمساهمة في رسم مستقبل البلد، ما غيّر تلك الاعتقادات.
ووضعت الاحتجاجات، المرأة على خط المواجهة بالتساوي مع الرجل. فهي أيضاً تعرضت إلى جملة تهديدات تدرجت من اللفظية لتصل إلى الخطف والاعتقال والقتل.
تُجمع المشاركات في الحراك الشعبي على أن قوة انتفاضة تشرين تتمثل في مشاركة المرأة. فهي - بحسب رأيهن - منحت الرجل دعماً للاستمرار في الحراك، من خلال عملها المؤثر، كمسعفة في الخطوط الأمامية، أو طاهية للطعام في الخطوط المتأخرة، أو مساهمة في تنظيم النشاطات الثقافية المنوعة، والفعاليات الخدمية التطوعية.
وبات وجود المرأة، من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، مألوفا في ميادين الاحتجاج. فقد اعتاد المحتجون في ساحة التحرير على رؤية أم سلوان وهي تغسل ملابس المتظاهرين، وأم يوسف التي تفتخر بكونها اكتشفت وصفة ورثتها عن جدتها للتخفيف من آثار الاختناق الذي تسببه الغازات المسيلة للدموع، من خلال خلط الخميرة مع الماء.
وتسرد مشاركات في الحركة الاحتجاجية، قصصا كثيرة عن تهديدات مباشرة تعرضن لها، إلا أنهن لم يتوقفن عن دعم التظاهرات والحضور المستمر في ساحات الاحتجاج.
تتحدث سهيلة عبد الحسين عن روتينها اليومي في ساحة التحرير. فهي تسعف الجرحى وتشارك في إعداد الطعام ونقله بواسطة عربات الـ "تك تك" إلى المتظاهرين الموجودين في منطقة السنك.
تقول سهلية إن قوات مكافحة الشغب أصابتها في منطقة الكتف. إذ استهدفتها بقنبلة دخانية أثناء تقديمها الطعام في السنك، مضيفة ان "هذه القوات تستهدف المرأة بشكل مباشر، كونها (القوات) تدرك أن أحد أسباب استمرار التظاهرات هو وجود المرأة فيها".
وتؤكد سهيلة أنها ستكمل طريقها على الرغم من أصابتها، موضحة أن "وجود المرأة سيعزز من معنويات الشباب، لأنهم سيجدون فيها أمهم وأختهم، وهذا سيشعرهم بالأمان".
أما ندى علي التي تشارك في الاحتجاجات منذ انطلاقها، فتقول إنها تركت الخطوط الأمامية لمدة يومين بسبب تهديدات بالخطف تعرضت لها من قبل جهات مجهولة، إلا أنها عادت إلى المقدمة مجددا، غير آبهة بالتهديدات "فما يهمني هو تقديم الدعم للثوار" – بحسب قولها.
انتصار الفتلاوي، التي تعرضت إلى إصابة في قدمها في بداية التظاهرات وأيضا إلى الاعتقال لمدة خمسة أيام، ترى ان "ساحة التظاهر تمثل الوطن بالنسبة لي، ولا بُد من الوقوف مع هذا الجيل الذي ضحى بنفسه من أجل استرداد الحقوق".
أما بلقيس نصر فتقول أن التهديدات لم تمنعها من مواصلة دعم الانتفاضة، مبينة انه "واجهنا الموت من أجل قضيتنا، وكنا متوقعين منذ اليوم الأول للثورة إننا سنمرّ بكل هذه المحن والتهديدات كوننا نواجه سلطة فاسدة".
وترفض نساء كثيرات في ساحة التحرير حصر دورهن في الطبخ والتنظيف. فهن يؤكدن أن هذه الثورة "هي ثورة مجتمعية أيضاً، تعدت المطالب السياسية في اتجاه تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة".
وتوضح رانيا علي أن "حراك تشرين ساهم بالفعل في خلق المساواة بين الجنسين. فالمرأة الآن تمثل صورة القوة. إذ كسرت قيودا اجتماعية، وساهمت في تحقيق نقلة حقيقية للمجتمع".
إلى ذلك، تقول ديانا فرج إنها تساهم مع والدتها بشكل مستمر في دعم الانتفاضة، موضحة أن وسائل التواصل الاجتماعي وفّرت فرصة للتعرف إلى حاجات المتظاهرين من مواد الطبخ والتنظيف.
أما الممرضة بنين هاشم، ففضلاً عن كونها مسعفة في إحدى المفارز الطبية بساحة التحرير، تقوم أيضاً بجمع التبرعات من الأهالي لتوفير مواد الطبخ الضرورية وتقديمها إلى المتظاهرين.