طريق الشعب

واجهت الناشطات العراقيات المساهمات في التظاهرات الشعبية المتواصلة منذ تشرين الأول الماضي، حملات ترويع بدأت بالتهديد والخطف، وبلغت مداها في سلسلة اغتيالات أثارت سخطا شعبيا واسعا.

آخر تلك الجرائم طالت الناشطة والمسعفة جنات ماذي (49 عاماً) التي اغتيلت فجر 22 كانون الثاني في البصرة، جراء هجومٍ مسلح تعرضت له هي ومجموعة من رفاقها بعد مغادرتهم ساحة الاحتجاج.

وعرفت جنات بكونها مسعفةً ميدانية ساهمت في إسعاف المتظاهرين المصابين. كما انها، ومع بدء انطلاق الحركة الاحتجاجية مطلع تشرين الأول الماضي، شرعت في تقديم الخدمات للأيتام والأرامل اللاتي استشهد أزواجهن في التظاهرات.

وحرصت المرأة العراقية في الاحتجاجات الشعبية، على إطلاق صوتها المنتفض بوجه السلطات الفاسدة، وفي الوقت نفسه بوجه الصورة النمطية التي وضعتها لها العصبية القبلية والفئات المجتمعية المتعصبة. وهي صورة تضع النساء المتحررات في لائحة المسيئات الواجب محاسبتهن بطرائق مختلفة قد تصل إلى القتل.

واستخدمت السلطات العراقية القوة المفرطة في مواجهة المحتجين. كما ارتكبت جماعات مسلحة مجهولة، جرائم ترهيب وخطف وقتل بحق إعلاميين وناشطين في التظاهرات، من كلا الجنسين. وقد بدأ ذلك بتوجيه التهديدات لهم لثنيهم عن المشاركة في الاحتجاجات، وسرعان ما تطور الأمر إلى حالات خطف ثم تعذيب واغتيال.

وفيما يصعب توثيق الأنباء المتداولة عن تلك الحالات في ظل قلة البيانات الرسمية وضعف مصداقيتها، إلا انه جرى توثيق خطف 26 ناشطاً وناشطة، وفق جهات حقوقية محلية وخارجية.

من هذه الجهات "التحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، الذي دان حملة ترويع واغتيال الناشطات العراقيات.

ومن بين الأسماء التي وثقها التحالف، الطالبة الجامعية والناشطة الميدانية زهراء علي سلمان (19 عاماً)، التي اختطفها مجهولون قبل نحو شهرين، ثم ألقوا جثتها أمام منزلها بعد عشر ساعات على اختطافِها.

وساهمت زهراء في توزيعِ الطعامِ والشراب على المتظاهرين مع والدَيها. ووجد تقرير الطبِ الشرعي بعد معاينة جثتها أنها تعرضت للضرب بأدواتٍ معدنيةٍ لتكسيرِ عظامِها، والصعق بالكهرباء قبل اغتيالها.

ومطلع تشرين الثاني الماضي، اختُطِفت الطبيبة والناشطةُ صبا المهداوي من قبل مجموعةٍ مسلحة، أثناء عودتِها إلى منزلها من ساحةِ التحرير، ثم أُفرج عنها بعد نحو أسبوعين. وكانت في حالة حرجة منعتها من التصريح عما تعرضت له - بحسب ذويها.

واستكمالاً لاستهداف الناشطات، سرت أنباء عن اختطاف الناشطة ماري محمد، في 8 تشرين الثاني الماضي، أثناء توجهها إلى ساحة التحرير - بحسب ما أعلنه شقيقها.

وأفرج عن ماري بعد أكثر من خمسة أيام، وذكرت أنها احتجزت في سجن انفرادي وجرى التحقيق معها بشأن احتمال تلقّيها أي دعم من جهة أجنبية.

وقبل نحو أسبوعين، نجت الناشطة نهاوند تركي من محاولة اغتيال في مدينة الناصرية. فيما توفيت الناشطة والمسعفة هدى خضير وسط أنباء عن اغتيالها بمسدس كاتم للصوت، وترجيحات أخرى بوفاتها إثر أزمة قلبية.

ووفق "التحالف الحقوقي الشرق أوسطي"، فقد تلقى أكثر من أربع ناشطات عراقيات تهديداتٍ بالقتل والخطف. فيما قتلت خمس متظاهراتٍ أخريات، هن: مريم كامل وشهد علي وعلياء صلاح ومروة حسن وعلياء وسارة حيدر وزينة بهاء.

اللافت أن السلطات العراقية لم تتمكن من كشف غموض عمليات اختطاف أو اغتيال أي من الناشطين المناصرين للتظاهرات. وكثيراً ما نفى مسؤولون حكوميون أن تكون الحكومة وراء عمليات استهداف الناشطين، غير أن المتظاهرين يلومونها على العجز عن كشف الطرف الذي يقف وراءها أو وقف هذه العمليات.

وكان "التحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان"، قد طالب في بيان له، بالضغط على  الحكومة العراقية لإنهاء العنف والقمع الموجه ضد المتظاهرين والمتظاهرات، ووقف ملاحقتهم وملاحقة العاملين في الصحافة والمدافعين عن حقوق الإنسان.