طريق الشعب
بعد سنوات من ضعف الدعم الحكومي للمواهب الشابة في مختلف مجالات الثقافة والفن، وفرت ساحات الاحتجاج، خاصة ساحة التحرير في بغداد، فضاء إبداعيا ساهم في تألق مواهب شابة وهي تعبر فنيا عن مطالب الحركة الاحتجاجية وعما واجهها من قمع عنيف على أيدي قوى السلطة.
ومن بين الفنون التي راجت هذه الأيام في ساحات الاحتجاج، مسرح الشارع، الذي بات يقدم عروضا تمثيلية تعبر عن الحركة الاحتجاجية.
ولا يتعب العاملون في هذا الفضاء الفني من التحضيرات الكبيرة، ولا يحتاجون إلى الإعلان والترويج لأعمالهم. فالمتظاهرون أنفسهم جمهور جاهز وتحت الطلب. فيما بدت وسائل التواصل الاجتماعي كافية لتغطية تلك الفعاليات الفنية.
ويشترك فنانون، غالبيتهم من الشباب الذين تخرجوا في معاهد وكليات الفنون، في كتابة وإخراج وتمثيل الأعمال المسرحية التي تقدم في ساحات الاحتجاج وداخل خيم المعتصمين. ولا تخرج أفكار تلك المسرحيات عن نطاق نبذ العنف والطائفية، وتعمير ما خربه الفاسدون.
وما يميز تلك العروض، هو ان كثيراً من العراقيين، وبسبب الأزمات الاقتصادية التي تورط فيها العراق خلال حقبة النظام الدكتاتوري المباد، وما حل بعدها من نكبات أمنية وسياسية عقب الاحتلال الأميركي، لم يتعرفوا على الكثيرٍ من الفنون، بل إن هناك من لم يدخل مسرحاً أو يشاهد عرضاً مسرحياً في حياته، لا سيما شريحة الفقراء، إلا أن التظاهرات أتاحت لهم أخيراً الولوج إلى عالم الفنون الجميلة.
في السياق، يقول أكرم مصطفى، وهو ممثل شاب تخرج في معهد الفنون الجميلة ببغداد قبل ثلاثة أعوام، ان "الهدف من إقامة الفعاليات الفنية في ساحات الاحتجاج، هو نشر الوعي الثقافي من خلال الفن، إضافة إلى كسر الملل الذي قد يصيب المحتجين"، موضحاً في حديث صحفي، أن "مسرح الشارع كان غير معروف في العراق، بسبب عدم اهتمام العراقيين بتطورات الحراك الفني، وهذا يعود إلى الانشغال في الحياة وصعوبتها".
وأضاف قائلا أن "الممثلين في بغداد وبقية المحافظات المنتفضة، من الذين لم يجدوا إلى الآن فرصة للتعيين الحكومي أو العمل في المجال الفني، وجدوا في ساحات الاحتجاج فرصة سانحة لعرض مهاراتهم ومواهبهم، وبالتالي قدموا عروضاً مسرحية تحاكي الواقع، بالرغم من قلة الإمكانات"، مؤكداً أن "أغلبية النصوص المسرحية كُتبت في أجواء الحراك الشعبي، ولذلك فهي لم تخرج عن ملف البلاد والمشاعر الوطنية".
من جهته، يشير المخرج الشاب يوسف عبد الكريم، وهو معتصم في ساحة التحرير، إلى أن "الشارع هو أصل الفنون ومنه تنطلق الحكايات والقصص، وبالتالي فإن استخدامه سيؤثر بالمتلقي أكثر مما لو كان العرض على خشبات المسارح".
وأكد أن "أكثر من عشر مسرحيات عرضت في ساحة التحرير، وكلها تتحدث عن شهداء الاحتجاجات وطموحاتهم"، متابعا قوله: "حالياً يسعى الفنانون الموجودون في ساحة التحرير إلى تعويد العراقيين على الفنون التي تنطلق من الشارع وإلى الشارع، والتأسيس لحركة فنية هدفها الارتجال عبر أدوات بسيطة وبأفكار مهمة".
أما علي حسون، وهو كاتب مسرحي، فقد أشار إلى أن "الجيل العراقي الجديد، وتحديداً من الفنانين والكتاب والشعراء، يعيش حالياً لحظة تاريخية عاطفية غير عادية، وستمثل نقطة تحول على صعيد سير الفنون العراقية في المستقبل"، مؤكداً أن "التغيير السياسي والاجتماعي والتطوير على مستوى الفنون سينطلق من خلال المحتجين".