يقول الشهيد ( أ )

نظرت إلى عينيك فرأيتُ جحيماً مستعراً ، ونظرتَ إلى عيني فَرأيت قطراً ثم مطراً ثم صاعقة مطرية ، لم أخف لكنك تخاف صواعق المطر ، أسكتها لكنها ظلت تزمجر ما بين الأرض والسماء وإنقلبت السماء وردية . رأيتُ أمامي أطفال العراق جوعى الأزقة والمزابل، ورأيتَ كيساً  تدندن فيه دنانير ذهبية كنتَ تحلم بها فأعطتك القوة لكي تُطلق أول رصاصة، لكنني وقبل أن أُغمض عيني رأيت يديك وساقيك ترتعشان ووجدتُ آلافاً تتلقفني وسقطتَ أنت على ركبتيك جاثياً تحت قدم سيدك فلم يتلقفك أحد، سُقيت أنا من ضرع فرس عراقي المولد والإنتماء ، أما أنت فقد لوثتَ حليب أمك حين إنحنيت على البركة الآسنة .

ستراني في عيون كل رضيع لم تلوثه الخطايا، وفي يد كل طفلة تتعلم المشي فتمد يدها لمن يقودها إلى الصواب، وفي كل كسرة خبز يابسة ومتعفنة يلوكها مضطراً ولد عراقي. حين ينظر أولاد الشوارع إلى وجهك ستكون وجوههم مشمئزة وحيرى، يتساءلون من أي عرق أتيت وبأي ماخور سري إحتميت، ومن درسك الأبجدية ولم يبدأها بكلمة وطن، ومن أعطاك الأبدية، فقال لك ضاحكاً أنت خالد فيها.

من قال إني ميت، إن عروقي على جذع كل نخلة تنبت رطباً، وسيُردد إسمي صبية المدارس، أما أنت فستخجل منك إبنتك فتخفي إسمك وتقول لمعلمتها أنا إبنة العراق فقط لا أب لي غيره وعندها سيكون مخزوني من الحياة غير نافذ ومخزونك قد إنتهى، ستدور بين بارات العرق الليلية لكي تنسى ولن تنسى، فوجهي سيبقى محفوراً في ذاكرتك ليوقظ جذورك النائمة، وستبقى مستيقظاً ولو كان ما شربته من ماء دجلة هو قطرة واحدة.

عرض مقالات: