نورس حسن

مع بداية ساعات النهار الاولى تفترش "ام عباس" بسطتها على رصيف الشارع القريب من مستشفى الزعفرانية في بغداد، عارضة بضاعتها البسيطة المكونة من الخضار الشعبية بغية بيعها لتامين لقمة عيشها وولدها الوحيد "المعاق" بعد تعرضه الى صعقة كهربائية اثناء عمله ما تسبب له ببتر رباعي، فضلا عن كونه ابا لأربع بنات وهن الاخريات فقدن والدتهن إثر اصابتها بمرض خبيث منذ عدة سنوات.

هذه المرأة التي تجاوز عمرها السبعين عاما بسنوات عديدة، وقد رسمت سنوات الفقر والحرمان التي عاشتها على محياها خطوط التعب والارهاق، بالرغم من رغبتها الشديدة في عيش حياة كريمة، الا ان الظروف الاقتصادية الصعبة اجبرتها على العمل وهي بهذه السن المتقدمة، فلا معيل لها ولا راتب تقاعدي يعينها على تدبر الامور المعيشية لعائلتها.

وتبيُّن ام عباس لـ "طريق الشعب" انها تسكن في دار بنتها بنفسها على ارض تجاوز، وبسطية الخضروات هي مصدر رزقها الوحيد، وتضيف انها " تتعرض باستمرار الى التهديد برفع بسيطتها وعدم السماح لها بالبيع في هذا المكان، من قبل بعض أصحاب محال السوق الشعبي القريب، بدعوى انها تؤثر على مصدر رزقهم.

وبخصوص راتب الرعاية الاجتماعية توضح ام عباس "ان راتب ولدها قطع عنه لأسباب غير معروفة، فيما تتقاضى هي راتب المعونة الاجتماعية الذي يقدر بـ (175) ألف دينار كل ثلاث أشهر "، وهذا المبلغ غير كاف لتلبية متطلبات العائلة المكونة من ولدها المعاق وبناته الاربعة، مردفة "المردود اليومي الذي تحصل عليه من عملها قليل جدا" وتختتم قائلة بلهجتها العامية "الأيام امشيّها مراوس يوم نتغدى ويوم بس ريوك".

من جانبها تقول بائعة الخضروات "ام علي" لـ "طريق الشعب" ان المكان الذي تستغله تابع للحكومة، كان يستغله مواطن آخر، وهو من تعمد بيعه اليها لقاء مبلغ قدره 4 ملايين دينار، مضيفة وانها بهذه الطريقة (شراء البسطية) تستطيع ممارسه عملها والابتعاد عن تهديدات أصحاب المحال التجارية الأخرى". ثم تستدرك "لكن مع ذلك تعمل امانة بغداد بين الحين والأخر على انذارنا بغلق هذا السوق، في حين دائرة الضرائب تفرض علينا دفع (500) ألف دينار كضريبة سنويا".

 وتوضح ان ضنك العيش بعد وفاة زوجها منذ ثلاث سنوات فرض عليها العمل فيهذا المجال لغرض توفير المتطلبات الحياتية والمدرسية لا طفال ابنها الأربعة"، لافتة الى ان " الظروف الصعبة اجبرتها على بناء غرفة داخل ارض معسكر الرشيد رغم صعوبة العيش وسط بؤرة النفايات، بسبب عدم استطاعتها دفع الايجار.

ازمة النزوح وعدم اتخاذ الإجراءات العاجلة في عودة النازحين معاناة أخرى اثقلت كاهل العائلات النازحة خاصة الذين تعرضت منازلهم الى الدمار الكامل بسبب الإرهاب، ناهيك عن فقدان معيل الاسرة للكثير منهم، وبهذا اصبحت المرأة هي الاب والام والمعيل لأطفالها في آن واحد.

المواطنة بتول جاسم ارملة وام لثلاث أبناء نزحت من الموصل مع اطفالها بعد احتلال داعش الإرهابي وتدمير منزلها. تقول لـ "طريق الشعب" ان "راتب الرعاية الاجتماعية قطع عنها منذ اربعة اشهر، وعند مراجعتها الدائرة ابلغوها بان الغرفة التي تسكنها مع اطفالها تحتوي على ثلاجة ومبردة وتلفاز، ما يعني انها فوق مستوى خط الفقر لذا لا تستحق راتب الرعاية ".

وتكشف ان " الغرفة التي تشغلها واطفالها مؤجرة بمبلغ 250 الف دينار شهريا، بالإضافة الى فرض دائرة الضريبة دفع مبلغ قدره 800 الف دينار كضريبة سنويا، زائد عليها متطلبات الحياة اليومية لأطفالها، فيما محصولها اليومي من عملها لا يتجاوز عشرة الاف دينار".

وحول طبيعة عملها تبينّ المواطنة انها بعد وفاة زوجها والنزوح الى العاصمة بغداد، استطاعت فتح كشك لبيع المستلزمات النسائية ومساحيق التجميل ومنتجات للصناعات اليدوية البسيطة بعد تقديم المساعدات الانسانية من البعض. وتقول مضيفة ان المورد اليومي الذي تحصل عليه يكفي لسد متطلبات يومها، لكن في بعض الاشهر تضطر الى تأخير دفع ايجار الغرفة خاصة عند بداية الموسم الدراسي بالنظر لضرورة توفير مستلزمات الدراسة لأطفالها من زي موحد وقرطاسية وغيرها"

مع بداية حديثي معها، لم تسيطر المواطنة نجمة عزيز ذات 80 عاما، على دموعها وهي تصف حالها بعد وفاة ولدها الوحيد" حمزة" نتيجة مرضه على حين غفلة، بسبب عدم قدرتها على توفير العلاج اللازم، واعلان المستشفى ان العلاج غير متوفر ما يتوجب شراؤه من الصيدليات الخارجية.

وتبيّن ام حمزة لـ "طريق الشعب" ان ظروفها الصعبة اجبرتها على العمل كبائعة خضروات في سوق الهوى بالزعفرانية من اجل تربية ابنتي ولدها المتوفي بعد ترك والدتهن لهن وزواجها من رجل آخر.

وتوضح ام حمزة "انها تجهل آلية التقديم على راتب الرعاية الاجتماعية، فضلا عن عدم امتلاكها تكلفة النقل للذهاب الى المؤسسات المعنية لغرض ترويج المعاملة التي تحتاج الى جهد خاصة وأنها امرأة مسنة".

الفقر والعوز يدفع بالكثير من النساء للعمل في مهن بسيطة كافتراش البسطات على الارصفة او بيع ما يتوفر في جعبتهن من بضائع ومواد غذائية في الأسواق الشعبية، رغم المردود المالي القليل والضغط النفسي الناجم عن التهديدات بقطع مصدر رزقهن لغرض توفير لقمة عيش لعائلاتهن خاصة وان أغلبهن فقدن معيل اسرهن نتيجة الحروب والصراعات الداخلية.

عرض مقالات: