طريق الشعب 

لا يوجد اليوم مكان أكثر ترحيباً بالمتظاهرين العراقيين من ساحة التحرير والأزقة والمباني المجاورة لها. فمنذ أكثر من خمسة وعشرين يومًا وهذه المنطقة مهرجاناً وطنيا مفتوحاً، توزع فيه مجاناً جرع اتالوطنية والسلام ولعن الطائفية والعنصرية، مجانا!

يقول محمد سعدي، وهو أحد متظاهري التحرير، أن "الساحة تضج بالبكاء والقصائد والنثر والغناء والتعارف، والتقارب بين مختلف العراقيين، بين أبناء جيل قد يكون نواة لتأسيس عراق قوي.. جيل ولاؤه للعراق لا لغيره".

ويضيف قائلا، انه "منذ 16 عامًا كانت هناك تغذية طائفية وأحقاد وشحن بكل ما هو سلبي على يد أحزاب وجهات سياسية"، متمنيا أن تبقى ساحة التحرير بما هي عليه اليوم، حاضنة لكل العراقيين "لأنها مثل قطرة عطر تنتشر بشكل تدريجي في العراق كله".

وتُروى بين المجاميع الشبابية التي تتشكل كل ليلة ، النكات والقصص الخيالية والتاريخية، بعضها عن شكوى وألم وحزن وبعضها عبارة عن غناء وفرح ورقص، وأخرى تأبين لضحايا سقطوا في ساحة التحرير أو غيرها من ساحات العراق المتظاهر-  وفقًا لكريمة أحمد (32 عاماً).

تقول كريمة في حديث صحفي: "هذه ثاني مرة آتي فيها إلى هنا مع والدي، المكان صحي وهو أكثر أمناً من أي مكان آخر، وفيه الشبان الأكثر حباً للعراق، ولولا حبهم ما خرجوا للتظاهر". 

ويعتبر قضاء الليل بالغناء والشعر في أروقة مبنى المطعم التركي الذي أطلق عليه المتظاهرون اسم "جبل أحد"، عامل جذب مهم لمن يصل إلى ساحة التحرير، سواء من بغداد أم من بقية المحافظات، ليرى قصة صمود المتظاهرين وكيف يقضون ليلهم.

يقول المتظاهر مصطفى هيكل (19 عاماً): "تعرضت للإصابة مرتين، وعلى الرغم من التحديات التي نواجهها في ساحة التحرير، وخصوصًا الحاجز الأول (ساتر الصد)، إلا أنّ الليل هنا له نكهة خاصة، حيث ننسى الألم من خلال الغناء المعبر عن حب الوطن".

ويضيف قوله: "ظهرت هنا في الساحة مواهب عراقية مميزة في الرسم والشعر والغناء، حتى بادرنا كمجاميع إلى العمل ضمن الاختصاصات. فالرسام يزين الجدران باللوحات التي تحاكي قضيتنا، والشاعر يكتب الأهازيج للمتظاهرين، والعازفون والمطربون يغنون للوطن، هكذا نقضي الليل في ساحة التحرير".

فيما يقول المتظاهر يحيى حيدر (24 عاماً): "نحن أصحاب قضية، وقضيتنا الوطن، فعلى الرغم من الألم والإصابات والأعداد الكبيرة من الشهداء الذين نزفهم كل يوم قرباناً للوطن، فان ليلنا مختلف، حيث نتسامر بالغناء والشعر الجميل، ونردد أغنية (موطني) قبل النوم، وعليها نغفو آملين أن يطلع الصباح على وطن نبتغيه".

حيدر اسماعيل (23 عاماً)، وهو أحد المتظاهرين، يوضح من جانبه انه "بعد مواجهتنا الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، نقضي ليلنا بالغناء المعبر عن حب الوطن، ونغفو على كلام طيب وعمل مشترك، حتى صارت ساحة التحرير وكل محيطها منارة يقصدها الكثيرون ممن لم يواكبوا مسيرتنا لأي سبب كان، فقط ليشاهدوا قصص الإبداع والصمود والتحدي".

بينما يؤكد محمد صبيح (22 عاماً)، أنه أحد المتظاهرين الذين أقسموا ألا يعودوا إلى البيت حتى "يأخذوا حقهم"، مضيفا قوله ان "الموت بشرف خير من الموت ذليلاً، وعلى الرغم من التعب اليومي إلا أنّ ليلنا مختلف، ليلنا كليالي بغداد القديمة، شعر وغناء ورسم، ويمكن مشاهدة ذلك في التغيير الذي أحدثناه في نفق التحرير وجدران المطعم التركي، بالإضافة إلى حملات التنظيف المستمرة ليل نهار".