وجدتهما حيث بسطة الشاي، احدى أماكن الدعم اللوجستي للمنتفضين في ساحة التحرير، ارتسمت على وجهيمها الابتسامة وملامح التفاؤل، رغم جهدهما المضنى طوال اليوم في تقديم الماء والشاي للمتواجدين في الساحة، من طلاب وشباب غيرهم، حيث تتطلب مهمتهما الوقوف خلف البسطة وتقديم الشاي باستمرار ودون انقطاع، فضلا عن التنظيف ودعوة الناس.

تجاذبت معهما أطراف الحديث، فعرفت انهما صديقان من نفس المنطقة وخريجا بكالوريوس إنكليزي، لكنهما دون عمل.

محمد لديه حلم، ويصف حلمه بالكبير كبر الوطن الذي نبتغيه ونريده، قد يكون صعبا لكنه ليس مستحيلا. حلمي ان اعانق السماء واحمل النجوم على كتفي، فافرد جناحي في بلدي الحر بلا حروب ولا نزاعات، احط على ارضي فتستقبلني النوارس البيضاء مرحبة بقدومي وهي فرحة لمقدمي، احييها بسرعة، لأذهب أسرع وأرتمي بحضن امي الدافئ، كي تغني لي تهويدة الولد.

آه ... يا امي كم حلمت من اجلك بوطن ليس ككل الأوطان، بل مثلك حنون محب ووفي مضحي لأبنائه، حلمي بوطن السلام الذي يتملكني حبه ويملكني كإرادة حرة. 

 أحب ان اهديك وطنا صغيرا، فأغيب عنك كل ساعة، ثم اطرق ذات الباب للبيت الآمن، فتجيبني امي، "ها حبيبي، وصلت". تعبت ان أرى امي مطيعة كتومة، ان تذل وتبكي صمتا خوفا علينا، تخفي دموعها كي لا نتألم، ان تطيب خاطر الصغير والكبير لأجل اسعادنا ولا تجد من يطيب خاطرها ويسعدها. نعم اقولها بصراحة وعلانية أحببت امي بقدر وطني لأنه شبيه بها حيث تتحكم الاقدار والظروف الصعبة بمقدراته، فيبكي شموخا وصبرا ودما.

اليوم انتفض لأجل وطني وامي.   

اما حلم مصطفى فهو التغيير وايجاد فرصة عمل ليكون جديرا بأميرته السومرية ذات العيون العسلية، وهي من الأصول البابلية، وقد أحبها منذ سنوات بيد ان حبه لبلده كان منذ الولادة، فكيف لا وهو عراقي المولد والاصل، صبور غيور لكنه لا يرضخ للظلم والهوان.

مصطفى يجد نفسه رجلا واقعيا لا يدخل البيوت الا من أبوابها، وعدم وجود مصدر معيشة له قد يكون سببا في رفض أهلها له. لذا فهو يخشى ان يخذلها، لأنه لم يعتد الهزيمة والتراجع عن هدفه الساعي اليه، وهو عند كلمته صادق الوعد لا يخالفه. وقد قطع على نفسه وعدا بان يكون مقداما جديرا بحبها وحب بلده، ويصر بقوله اليوم: لا تراجع لا استسلام، كي أكون رجلا لحبيبتي، وثائرا في وطني وطن الاحرار.  

عرض مقالات: