لم يكن ما حصل صباح الثامن من شباط عام 1963 مفاجئاً، بل هو نتيجة طبيعية للسياسات الخاطئة لحكومة الثورة وتراجعها ونكوصها امام القوى الرجعية والعميلة، وكان قاسم ضحية الدعايات الكاذبة لهذه القوى في ان الشيوعيين يخططون لاستلام السلطة مما جعله يعمل على تحجيمهم والوقوف ضد سياساتهم ومساعيهم بالدفاع عن الثورة والجمهورية الفتية، وبالتالي العمل على ابعاد عناصرهم الكفوءة والحريصة والمدافعة عن الثورة من المناصب الحساسة وتسليمها للمشبوهين واعداء الثورة وتقريب المتآمرين وتسليمهم المواقع المهمة.
وعندما حصل الانقلاب العسكري الفاشي في 8 شباط 1963 باتحاد وتلاحم القوى المشبوهة والعميلة وبدعم عربي رجعي واسناد امريكي امبريالي وتحت شعار (يا اعداء الشيوعية اتحدوا). هذا الواقع دفع الشيوعيين لمواصلة الدفاع عن الجمهورية وحماية حزبهم وانصاره.
وفي مناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لتلك الايام القاسية التي عاشها الوطن وقواه الوطنية والديمقراطية ونضال وجهود الشيوعيين للرد على سياسة الانقلابيين الفاشية وسعيهم لاسقاط نظام البعث الفاشي، في (26) شباط 1963 من خلال تحرك نخبة من الضباط وضباط الصف الشيوعيين بقيادة الرفيق طالب عبد الجبار عضو اللجنة المركزية، ومبادرة منظمة الحزب في معسكر فايدة ومحلية نينوى ومنظمات الشيخان وألقوش.
لقد قاد الشيوعيون واصدقاؤهم محاولات عديدة ضد انقلابيي شباط ولاسقاط حكمهم ومنها محاولة معسكر خان بني سعد وحركة معسكر الرشيد (حركة حسن سريع) وهنا نتحدث عن تجربة معسكر فايدة لاسقاط النظام البعثي.
كان الرفيق طالب عبد الجبار يقود محلية الموصل ومن اعضائها ستار خضير ويوسف حنا اضافة للرفيق توما توماس (ابو جوزيف) وآخرين، وكان الرفيق قد عمل على حماية الحزب والحفاظ على رفاقه بسبب الهمجية الرجعية بعد مؤامرة الشواف عام 1959 وسيطرة القوى المشبوهة وسعيها لافراغ الموصل من المسيحيين ومن الديمقراطيين وتم تعيين بعض المجرمين بمواقع ادارية مهمة. كل ذلك ساهم بتكريس الردة الرجعية الا ان منظمة الشيخان حافظت على وضعها ولم يعتقل رفاقها. وكذلك القوش اصبحت ملجأ للرفاق القادمين من بغداد والكثير من المدن. وعمل الرفيق طالب على تنظيم قوى الحزب والتهيؤ للقيام بعمل عسكري واسع يبدأ ليلة 26- 27/ شباط 1963.
حركة فايدة العسكرية واسرارها

من الظواهر الغريبة هي عدم ملاحقة الانقلابيين للضباط والمراتب الشيوعيين واصدقائهم المتواجدين في كردستان خوفا من التحاقهم مع الحركة الكردية المسلحة. وكانت اغلب تنظيمات الجيش. وكذلك التنظيمات المدنية بوضع جيد ولم تتعرض للضربة، وظل الكثير من رفاقنا يمارسون نشاطهم بحيطة وحذر وانتباه.
وفي بغداد اختفى الكثير من رفاق الحزب وقادته وكان هذا يشكل مبعث امل للمستقبل، لا سيما وان الانقلابيين لم يستقروا بعد وكان الارتباك هو السمة الغالبة في عملهم. وقد شجع هذا الواقع رفاقنا للتحرك واسقاط هذه الشرذمة. وفعلا تم التخطيط للقيام بعمل عسكري واصبح معروفا باسم (حركة فايدة) والتي كان مقرراً ان تبدأ بالتحرك نحو معسكر الغزلاني في الموصل وفتح الطريق لتحريك قطعات عسكرية نحو بغداد من الموصل وكركوك.

الانطلاقة الاولى من دهوك

تقرر قيام اللواء 14 المتواجد في دهوك بالحركة اولا بعد تطهيره من العناصر البعثية وعددها يومذاك قليل جدا، ويتقدم نحو فايدة التي يتواجد فيها اللواء الخامس. اي بتحريك اللواء 14 من دهوك الى فايدة بكل قواته وآلياته ومع اقتراب القوة تحصل اشارة متفق عليها (اشارة ضوئية) من المقدمة والمؤخرة لكي يتم اعتقال آمر اللواء الخامس (سعيد حمو) والضباط المعادين على ان تتحرك القوتان (اللواء 14 واللواء الخامس) باتجاه الموصل، وهناك في الغزلاني ينتظر بعض الضباط الشيوعيين لتسهيل السيطرة على المعسكر. وكانت هذه التفاصيل وهذا العمل سريا للغاية ومحصور بين الرفيق طالب عبد الجبار مسؤول الموصل والرفيق مسؤول الخطة العسكرية والضباط المكلفين بمهمات اثناء التحرك. وكذلك تم تكليف الرفيق المسؤول عن الخط العسكري بواجب الاتصال بالضباط الشيوعيين في الموصل وكركوك.

دور منظمة الشيخان ورفاقها

وكان للرفاق المدنيين دور مهم ومتميز باسناد هذا التحرك العسكري حيث تم الطلب من منظمة الشيخان بتحضير 300 رفيق مدني مدرب ومسلح بعد نجاح الخطوة الاولى بالسيطرة على اللواء الخامس وان يكون التحرك نحو الموصل من محورين: الاول (ألقوش – تلكيف – الموصل). اما الثاني فهو (عين سفني – بعشيقةالموصل). وقوام كل محور 150 مسلحا وصدرت الاوامر الى منظمتي سنجار وتلعفر بالسيطرة على مراكز الشرطة حال اشعارهم بنجاح العملية.

ساعة الصفر 26- 27- شباط

حدد الرفيق طالب عد الجبار ساعة الصفر والتنفيذ حيث طلب ارسال مجموعة من الرفاق ليلة 26/ 27 شباط 1963 الى جبل داكان القريب من معسكر فايدة وعند الساعة الواحدة ليلا لاستلام السلاح بقيادة الرفيق ادور شمعون عضو لجنة الشيخان وانتظرت المجموعة في الموعد ولم يتحقق اللقاء وكررت العملية في اليوم الثاني ولم يتحقق المطلوب ايضا. وبعدها اخبرنا الرفيق طالب عبد الجبار في رسالة بفشل الحركة قبل انطلاقها. وكان سبب الفشل هو قيام احد ضباط الصف المشاركين معنا بتنظيف وتهيئة سلاحه عند الساعة الحادية عشر ليلا في معسكر فايدة مما اثار شكوكا لدى ضابط الخفر والذي امر باعتقاله والتحقيق معه ليعترف بكل شيء.
وتم على اثر ذلك اعتقال الضابط المسؤول عن الحركة في دهوك وعدد من ضباط الصف والجنود ومنهم نائب عريف سامي داود ونائب عريف عبد الامير مجيد والجنود المكلفين: حسين يوسف وعبد الرزاق كاظم ومكي جواد وكاظم صمصام واسماعيل عبد الكريم ومهدي شيخ فلاح وحبيب داود. وبعدها تم اعتقال الرفيق بنيامين يوسف مسؤول الخط العسكري والرفيق اسماعيل ميكائيل محمد، حيث تم اعدامهم بعد فشل حركة فايدة.
وهنا لا بد لنا من ان نستذكر الرفيق الخالد طالب عبد الجبار الذي وقع بعد فشل المحاولة بيد قوى الامن من خلال كمين في احد البيوت الحزبية واستشهد تحت ابشع اساليب التعذيب.
المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي
المجد والخلود لشهداء الوطن وابطاله
الخزي والعار للقتلة المارقين عملاء الاستعمار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
عن اوراق الرفيق الراحل توما توماس

عرض مقالات: