كانت الشوارع مقطعة، ومن الصعب أن يصل المتظاهر إلى وجهته  وهي ساحة ثورة العشرين في النجف الا مشياً على الأقدام من مسافة بعيدة  أو يصل اليها  بالسيارة خاصة كانت أم عامة. كانت الشوارع المؤدية الى الساحة مزروعة بالقوى الأمنية من شتى الصنوف وهم يمنعون الناس -أفراداً وجماعات -  من أن يصلوا إلى وسطها حيث اعتاد المتظاهرون أن يقيموا  تظاهراتهم.

 لمحت أحد اصدقائي عند طرف الساحة فذهبت اليه لنشكل بؤرة استقطاب وتجمع للمتظاهرين. وما هي إلا لحظات حتى انضم إلينا عدد منهم قارب الثلاثين، من بينهم أربعة محامين أصدقاء. بعد ذلك بدت القوات الأمنية مستفزة وصاروا يتحركون باتجاهنا ليكملوا علينا طوقاً ويمنعوننا من الحركة والخروج. أحدهم، وكان برتبة عقيد، أخذ ينهال علينا بالسباب البذيء وهو يلحظ اعتداء عناصره على الشباب بالضرب والشتائم. وفي سيارات  حوضية لقوات (سوات) اخذونا إلى دائرة الأمن الوطني.

لاحظت في ضوء  تجربتي السابقة في التظاهر السلمي أن هذه القوات ليست مثل التي كانت تتواجد معنا في الساحة، لا من ناحية الوجوه، ولا الصنف ولا التسليح . وكانت عناصرها أثناء اعتقالنا يعاملوننا كمن يقبض على إرهابيين خطرين أو دواعش.. وبالرغم من توضيح هويتنا لهم مبينين اننا  مجرد متظاهرين سلميين، الا أنهم كانوا يصرون على أننا ارهابيون ويدعون  أننا نريد قتل المراجع وحرق المواكب الحسينية، ولم نحصل منهم علي شيء  غير الشتائم والضرب والتهديد!

في دائرة الأمن الوطني كان الأمر مختلفاً، إذ كان من الواضح أن هناك لبساً وعدم تفاهم بين القوة التي اعتقلتنا وبينه . حيث أخبرهم ضابط الأمن الوطني بأنه أبلغ قيادتهم بعدم جلب المتظاهرين إليهم، ولا أدري هل  كان يقصد أن لا مكان لديهم للاحتجاج، أم انه معترض على الاعتقال؟

وضعونا حشراً في غرفة صغيرة في مدخل الدائرة، يبدو أنها غرفة استعلامات، لتبدأ بعد ذلك جولة المفاوضات . عرضنا عليهم أحد أمرين، فبما أننا معتقلون بدون أمر قضائي ولم نقم باي فعل يضاد القانون، فعليهم اما ترحيلنا الى القاضي  لغرض رفع دعوى ضد القوة التي اعتقلتنا وعنفتنا، وإما أن يرجعونا إلى ساحة التظاهر لنكمل تظاهرتنا.

وبعد نصف ساعة وافقوا على إطلاق سراحنا واعادتنا بسياراتهم إلى ساحة ثورة العشرين.

 

عرض مقالات: