في جو ربيعي بهيج، وبين اشجار وأزهار(متنزه شاندر )وسط أربيل عاصمة إقليم كردستان، إحتشد الوف العراقيين، من كافة القوميات والأديان والطوائف، إلى جانب العشرات من السوريين، وربما من غيرهم أيضاً، فاليوم هو السابع عشر من آذار، والمبادرون لمهرجان أربيل للقراءة( نقرأ لنحيا )، كانوا قد أعلنوا منذ وقت مبكر، عبر موقعهم على الفيسبوك، وعبر سلسلة علاقاتهم الواسعة والمتشعبة، بمختلف منظمات المجتمع المدني، أن مهرجانهم الأول للقراءة في اربيل سيبدأ اليوم، وفي المكان والزمان المحددين!
الرفيق نعمان (أبو عايد)، ألقى كلمة موجزة، أشاد فيها بجهد منظمي المهرجان، وبأهمية الكتاب وضرورته في حياة الشباب، ثم قطع الشريط معلناً إفتتاح المهرجان، فإندفع مئات المحتشدين، نحو الأنشطة المتعددة، حيث المعارض التشكيلية، التي تزدحم بمختلف اللوحات، الضاجة بالألوان والحركة، وكذلك الصناعات اليدوية المختلفة للحلى وللوحات الزينة، التي فرشت على الطاولات، أو إتكأت جوار خيم صانعيها، الخيمة الطبية بدأت تستقبل من يشاء لقياس ضغطه، أو من يطلب إستشارة طبية ما، ممثلات وممثلين لمنظمات النضال، ضد العنف ضد المرأة، يجمعون الوف التواقيع للمساندة والتضامن، الموسيقى تصدح بمختلف الأغاني، فهناك مركز للبث، وهناك عريفة حفل تقدم بين حين وآخر، شاعر يقرأ قصيدته، أو روائي يوقع كتابه، أوعازف يقدم مقطوعة من إبداعه، وعلى طاولة تمتد عشرات الأمتار، إزدحم خمسة آلاف كتاب، بثلاث لغات هي العربية والكردية والإنكليزية، وبمختلف الإختصاصات، الأدبية والعلمية والفنية وكتب الأطفال، وهي مفتوحة للإقتناء المجاني لمن يشاء، على أن يأخذ كل فرد كتاب واحد فقط!
المهرجان الذي إفتتح الساعة الثانية عشر ظهراً، إستمر للثامنة مساءاً، فالفعاليات منوعة ومتواصلة، وحشد الجمهور يزداد، والنساء والأطفال يشكلون نسبة كبيرة من الحاضرين.
يمكن إعتبار الشاب محمد سالم الأب الروحي والعملي لهذا المهرجان، ولأني أعرف منذ أشهر طويلة، جهوده وحماسه وتصميمه، على إنجاز هذا المهرجان، لذلك قررت أن أجري حواراً معه، ليطلع القاريء على الفكرة منذ ولادتها، حتى نضوجها اليوم في الإفتتاح، يقول محمد: لقد نمت لدي الفكرة، منذ كنت في بغداد، عندما شاركت في مهرجان( أنا عراقي أنا أقرأ ) في موسمه الخامس، إذ عملت مع ذاك الفريق كصديق متطوع، وعندما إنتقلت إلى أربيل، طرحت الفكرة على مجموعة من الأصدقاء، فرحبوا بها وتحمسوا لها، وكانت البداية في تأسيس صفحة خاصة على الفيسبوك، بإسم( مهرجان أربيل للقراءة ) وباللغتين العربية والكردية، ثم أطلقنا حملة للتبرع والدعم، لنجد الكثير من الدعم والمساندة، ومن جهات مختلفة، كتاب ودور نشر ومكتبات ومواطنين عاديين، وبدأ الكثير من المواطنين بالإتصال بنا للتبرع بالكتب، وكان لمنظمات المجتمع المدني دور كبير، لنجاح هذا الحدث الثقافي.
ويكمل محمد سالم قائلاً: إن هدفنا من المهرجان هو رفع مستوى ثقافة القراءة، فنحن اليوم نحتاج لثقافة نوعية، وخلق روح المبادرة والعمل الطوعي، وكسر النمطية، والذين عملوا معنا من المتطوعين، عملوا بروح شبابية جميلة، من أجل أن ينجح هذا الجهد الذي كان بالنسبة لنا، ولحد يوم أمس، مجرد حلم، ولكنه تحول اليوم لواقع معاش! وكما ترى فعاليات المهرجان كثيرة، وبالرغم من أن الفعالية الرئيسية، هي توزيع خمسة آلاف كتاب، بثلاث لغات، وبمختلف الإختصاصات، فإن هناك خيمة طبية وركن للأطفال، كما جرى الإختفاء، بمجموعة من الكتاب والشعراء والروائيين، كما إن لدينا مشاركات منظمات مجتمع مدني، وأيضاً ناشطات في مجال حقوق الأنسان والمرأة، ومعارض رسم ولوحات فنية. وإذا توفرت لنا ظروف مناسبة، فيمكن إعادة مثل هذا المهرجان، ليكون مرتين في السنة، فالمتطوعون الذين نظموا هذا المهرجان، هم ثلاثون شابة وشاباً، من مختلف الإختصاصات والمهن.
السيدة ميديا فخر الدين، كانت تعمل عريفة حفل المهرجان، تقدم الشعراء والموسيقيين والمطربين، وتعلن أيضاً، عبر مكرفونها، عن صفات طفل تاه عن عائلته، أو عن محفظة أو هوية سقطت من جيب صاحبها، قلت لميديا كيف إنخرطت للعمل، مع مجموعة الشباب؟ فقالت : أنا أعمل في منظمة أمل الإنسانية المعروفة، والشباب الذين كانوا يخططون لهذا المهرجان، إحتاجوا لمكان يجتمعون فيه، ويحفظون الكتب التي تأتيهم من التبرعات فيه، وقد ساعدناهم في توفير هذا المكان، ومع الوقت وجدت نفسي أنخرط معهم في هذا العمل وأتحمس له، لأني آمل، أن نعيد الشاب العراقي، لما كان عليه في السبعينات، أي أن يكون الكتاب جزء من هم الشاب العراقي، وأنا ساهمت مع زملائي، في وضع برنامج المهرجان، وتطوعت لأكون عريفة حفله.
شيماء عباس شابة متحمسة، تقف أمام طاولة الكتب، منبهة المزدحمين لأخذ كتاب واحد فقط، ولفسح المجال للمتصفحين والقراء، سألتها كيف كانت بدايتك للعمل مع مجموعة الشباب؟ فقالت : أنا كنت أعمل كمتطوعة، في العديد من المنظمات الدولية والمحلية، التي تعنى بحقوق الطفل وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان، في دهوك وأربيل، وأثناء إحدى الدورات، تعرفت على الزميل محمد سالم، فأخبرني بمشروع المهرجان الحالي، وإنه في طور التجهيز له، وإنه يحتاج لمتطوعين، فبادرت على الفور، لطرح نفسي كمتطوعة، وها أنذا ومنذ ستة أشهر أعمل معهم، واليوم نحصد نتاج ما زرعناه، في هذا النجاح الجميل الذي تشاهده .