قبل أيام، أصدرت دائرة عقارات الدولة ما يشبه الشكر للحزب الشيوعي العراقي على التزامه بأداء ما عليه من التزامات لإشغاله إحدى عقاراتها.. وقد أشّر ذلك موقفا ليس غريبا عن الحزب بكل معايير النزاهة والامتثال للقانون.. ويومها قلت: نم قرير العين شمران الياسري، فحزبك لم يزل في الصدارة من معايير النزاهة والامتثال للقانون..
ويوم السبت الثالث ما آب 2019 تم إماطة الستار عن اللوحة التي تحمل اسم شمران الياسري، على الشارع الذي يقف فيه تمثال الجواهري العظيم في مبنى اتحاد الادباء والكتاب العراقيين.. إنها بشائر على عافية بغداد، وأهل بغداد.. وقد ألقيت كلمات جميلة باسم الحزب والاتحاد وعائلة الفقيد.. وسأضع فحوى كلمة العائلة في هذا المكان، وبعدها أنقل نص عموده المنشور عام 1974 (سناين جعلوط) لمناسبة التزام الحزب بالقانون وعدم التزام آخرين...
((
في مثل هذا الشهر قبل ثمانٍ وثلاثين عاما رحلَ (شمران الياسري- أبوكاطع) متأثرا بجراحِ روحهِ وجسدهِ من حادثِ سيرٍ تدبّرهُ القدرُ وربما الطغاة..
ولم تبتهجْ عائلتُنا مُذ رحيله إلى غربتهِ الأولى في المنفى، ثم رحيله الأبدي، مثلَ بهجتِها اليوم، باحتضان بغدادُ العظيمةِ لهذا الأديب الكبير..
فبغداد إذ تَمدُ يدَها بودٍّ الى روح شمران، لتضعَها مع إسمهِ في شارع رحبٍ من شوارعها، إنما تمدُ في خيمتِها لتظللَ نجما من نجومِ العراق، ولتسردَ في رحابِ مكنوناتِها ذلك الجزءَ من القصةِ المقدسةِ لمبدعي الوطن..
إننا اليوم نتشاركُ هذا الوفاءَ لبغداد..
مجلسُ محافظتها كان بارا بهذا المبدع، وأمانةُ بغداد كانت وفيةً له..
ولا أدري من تفضّلَ أيضا بدعمِ هذه البادرةِ الجميلة.. غيرَ أنَّ حزبَ شمران، حزبَ الكادحين، الذين صدحَ باسمهم أبوكاطع سنينَ عطائه، كان مبادرا ليضع اسمِ شمران في ذكرياتِ بغدادَ الحبيبة وأهلها..
شمرانُ الياسري، الصحفيُّ والإذاعيُّ والروائي والسياسيُّ، كان يجوبُ عيونَ الناسِ وعقولِهم، يرى ما فيها، فيكتبُ عنه، ويكتبُ عنهم.
وقد فتحت روايتهُ الرائعةُ سجلَّ العراقِ ودولتِهِ الحديثة منذ عام 1920 وإلى تداعيات اغتيالِ الجمهورية الأولى عام 1963. لهذا، كان وفاءُ العراقيين غزيرا، بغزارةِ القصةِ الفاتنةِ، وعمقِ الإطلالاتِ البهيةِ التي سجلها الراحل.
لقد احتفى العراقيون بشمران أيامَ الطغاةِ، مثلما احتفوا به بعد ذلك. فقد تداولوا اسمه ومؤلفاته ومنهجه. ونسخوا مؤلفاته ووزعوها سرا. ثم عند رحيلِ الطغاةُ، احتفوا به بمؤتمراتهم وندواتهم.
وكان من جميل ذلك، إعادةُ طبع روايته من قبل وزارة الثقافة في عهد وزيرها الأستاذ مفيد الجزائري.. وتخصيص جامعة واسط قاعة باسمه في عهد رئيسها المثقف اللامع الدكتور جواد الموسوي. وآخرها هذا التكريم لاسمه في بغداد.
نم قريرا أبوكاطع، فاتحادك (اتحاد الأدباء) على خطوتين منك، وبيتك (بيت الحزب) عند الركن الآخر، واسمك في صدور الملايين، وصراحتك على كل لسان..
نم قرير العين.. فشارعُ شمران الياسري شهادةٌ كبرى على عافيةِ بغداد ونجابةِ أهلها.. وعلى صدقِ أحلامِنا في أن نرى اسمك يوما في بغداد..
شكرا للحزب الشيوعي العراقي.. شكرا لمجلس محافظة بغداد وللمحافظة.. ولأهلِ بغداد..
شكرا لأمانة بغداد.. شكرا لاتحاد الادباء.. شكرا لمثقفي العراق))

سناين جعلوط

إن موضوع الازدواج في المعايير وعدم المساواة، أحد القضايا الذي ظل يحرّض عليه أبوگاطع في الصحافة وفي مجالسه.. وقد استخدمه للتعبير عن الاحتجاج لسلوك شاع في ذلك الزمان ولازم الطبيعة المشينة لسلوك السلطة في التعامل مع المجتمع، فضلا عن المعارضين، بعد استبعاد الحلفاء عن طريقها..
وأجده اليوم في قصة امتثال الحزب للقانون، وعدم امتثال آخرين.. فقد لازَمْتُ الراحلَ مدة طويلة، لم أجده إلا منسجما مع نفسه. وهو مستعد أن يضرب مثلا بنفسه وصديقه خلف:
((
زارني خلف الدواح ضحى، في إدارة الجريدة، وجلس كعادته دون كلفة. قدمت له سيگارة وأشعلت واحدة لنفسي، ثم انصرفتُ للكتابة غير متحرّج من إعراضي عنه. وبعد قليل رفعت عيني عن الورقة وابتسمت له، لكسر حدة الصمت، فحرّك رأسه حركة مألوفة لي، وأجاب على ابتسامتي بأحسن منها، ثم نفض سيگارته دون عناية فسقط رمادها على المقعد..
اغتنمتها فرصة لمناكدته وقلت: والله مشكلة.. المعيدي ما اتصيرله چاره !! غير حاطين جِدّامك نفّاضه، ليش تنفض رماد جگارتك على القنفه؟
ضحك خلف وقال: من أول ما ورّثت جگارتك لهسه، فاطنلك، وأشوفك كلما تجذب نفس تنفضها على اچتافك، هم موش على السكملي! وانت جدّامك نفّاضه أكبر.. ردت اگلك.. وتالي شاورت روحي وگلت خايب يخلف اتظل طول عمرك شرّاي طلايب؟
هسّه ما دام انت بديتها وعاتبتني، لازم اگلك: علّم روحك يالله تحچي على الوادم !!
قلت متصنّعا الجد!: آنه وحّد وانت وحّد.. آنه اكتب ومشغول فكري بالكتابه.. انت شنهو عذرك؟
قهقه خلف الدواح منتشيا وقال: سالفتك مثل سالفة شيخ جعلوط.. يوم من الايام، گطع عگله ايسوي سناين للعشيرة.. جمع كل رؤساء الافخاذ ومذاريب العشيرة.. گاللهم: كثرت طلايب العشيرة ومشاكلها، واريد اسوي سناين مكتوبة، حتى تنضبط.. صيحوا للملا يكتب المضبطة..
بدأ شيخ جعلوط يملي على الملا بنود المضبطه:
أول شي، اللي يبوگ گرايبه ترجع البوگه امربّعه. ثاني شي اللي يصوّب ابن عمه هيچ عقوبته.. واللي.. واللي.
ما أطوّلها عليك، سوّاها سير وسريده.
وآخر شي التفت جعلوط للملا وگال: اكتب يا مُلا.. اكتب: اولادي واولاد اخوي ما تشملهم هاي الشروط !!
ـــــــــــــــــــ
*
القاها إحسان شمران الياسري عن عائلة الراحل ابو كاطع