الى الذين  شاركوا  في المظاهرة  التي جرت  بعد سقوط  أنقلاب  حكم البعث  الفاشي  والحرس القومي  في 8 شباط  عام 1963 ومجيئ  القوميين  بقيادة عبد السلام عارف    وهذه المظاهرة  ليست  تلك التي  خرجت في الباب الشرقي  وانما  عن المظاهرة  المسلحة  ( بالعصي – والتواثي ) التي كنا  نجمعها  في منطقة نهاية جسر  الشهداء من جانب الرصافة  وقرب  بداية  سوق السراي  والجامع  ( وبائع اللبن )  ومنطقة باص  مصلحة نقل الركاب  الذاهب باتجاه  جانب الكرخ .

لهم كل المحبة  والأحترام  الكبيرين ، والمجد والخلود  الى الذين استشهدوا  في مسيرة  الحزب  المجيد خلال  الديكتاتورية  التي جثت  على الوطن والشعب  والعمر المديد  الى الذين  لا زالوا أحياء

الحكاية :-

بدأ الحزب  ترميم  وبناء  منظماته    بعد  الأعصار  والطوفان  والطاعون الأسود  الذي تعرض  له على يد فاشية ارهابية  غاشمة  من أجل  انهاء والقضاء  على الحزب الشيوعي العراقي وأعضائه وقادته  ومناصريه،  وتحطيم  المنجزات  التي تحققت  بعد انتصار  ثورة 14 تموز  عام 1958،  ايام و أشهر طويلة  ذاق  فيها الشيوعيون  القتل  والتعذيب  والسجن  والأعتقال  والتشريد  ، في هذا الجو الأرهابي  المنقطع النظير ، كان إعادة بناة  الحزب  يتحركون  ، بخوف  وحذر شديد  ويحسبون لكل تحرك الف حساب  ، والتفكير  والدراسة  كيف نسير  في الأزقة  والشوارع  والأسواق  للقاء  أحد الهاربين  أو المختفين ، أو  المنقطعين.  وبعد زوال  حكم الأرهابيين  البعثيين  وذراعهم المسلح  الحرس القومي  في 18/ تشرين  1963 ، أصبح تحرك  الشيوعيين  كبيراً بين الجماهير  وتضميد كل  الجراحات  التي خلفها  الزلزال  القاسي،  ونجح الحزب  رغم الضربات  المميتة  والقاسية  التي تعرض  لها على   يد انقلابي  8 شباط  عام 1963 في   تصدر الحراك الجماهيري  والسياسي .

أستلمت  رسالة من الحزب ، وانا اعمل  في دكان يعود الى ابنة  عمتي  في مدينة  البياع شارع رقم  10 ( ألف  الشاي والسكر  والحمص والحب  في مناشير الحزب  )  بعد أن بقيت  في معتقلات  البعث  الفاشية خمسة أشهر.  بعد أطلاق  سراحي  أختفيت  في بيت أبنة عمتي  وعند سقوط  البعث أعطوني الدكان ).. قرأت الرسالة  التي جلبها أحد الرفاق  وقال  : الحزب  قرر اخراج  مظاهرة  ، وذهب  مسرعاً  دون أن يسمع  مني  ( هل الوقت مناسب ، ولماذا  نكشف رفاقنا  بعد أن استطعنا  أن نلملم  بعض اوضاعنا )  كأنه يقول  : نفذ المهمة  ثم ناقشها ! )

الرفيق العزيز  :- قرر الحزب   اخراج تظاهرة  ( مسلحة  بالعصي )  1- تامين  ما بين مئة الى  مئة وخمسين عصا  2-  المكان  قرب منطقة مصلحة نقل الركاب  الذاهب  الى منطقة الكرخ قرب بداية  سوق السراي  3-  يكون أحد الرفاق  معك للمساعدة  في نقل ( العصي ) 4- هناك احد الرفاق  بانتظارك  وهو يعرفك )  5- الوقت سيكون عصراً  .

لدي ايام ثلاثة ! كيف سيتم  تدبير هذه  الكمية من ( العصي )؟  ذهبت الى بيوت شقيقاتي  وبيوت  أقاربي  وابناء عمي  الساكنين  في مدينة البياع  وكنت حذراً  من أن  أفصح عما اريد ، فلم اوفق .بقي امامي النجار ( صباح )  لأذهب  واحاول  معه ،  وهو صديق لنا  ( أخوه  الكبير وأخته  من القوميين  المتطرفين  المعادين  للشيوعية،  اما شقيقه الوسط ( قيس ) وهو ضابط مفصول  وهو قريب  من الحزب  او ربما رفيق  ، وذهب مرات عديدة  الى بيروت  والى مقرات  المقاومة الفلسطينية .

ذهبت  الى الصديق  ( صباح  النجار )  وانا  انسج  قصصا كاذبة  ،  وكيف  ابدأ  معه  ومنجرته قريبة  من المقهى التي  نجلس فيها في مدينة البياع  ،

قلت له يا عزيزي  ( صباح ابو نوري ) جئت  اليك طالبا مساعدتك  .. أنت تعرف  أن لدينا  قطعة أرض*   في مدينة  المنصور  تعود الى اخي  الموظف المفصول  من وزارة الخارجية  جبار الريحاني ، قال أدري  لا توجد  الأمكانية  عندكم  لبنائها،  قلت له  :  البلدية والجيران  قدموا شكوى  لأنها اصبحت مليئة  بالقاذورات ، والحيوانات  تسرح فيها ، وفكرت  ان اعمل  سياج  ( اوتاد خشب )  وحبال من أجل  تسييجها  ومنع الحيوانات السائبة  والقطط والكلاب  و الآخرين من رمي الأوساخ ..

 قال عندنا في  ( السرداب )  كثير من  قطع الخشب  يمكن أن تأخذ  الكمية التي  تحتاجها  واعتبرها هدية مني. قلت له وأنا تحت ضغط الوقت وبقي يوم واحد،   هل بالامكان  أن أأتي غداً بعد الظهر  لأخذ الاخشاب  حيث سيكون  هناك عامل لمساعدتي  . قال : سوف اكون  موجوداً من الصباح  حتى المساء ، قلت  سوف أطلب  من أحد الأصدقاء  لمساعدتي،  ودعته وانا فرح  لأني وجدت  ( العصي )  وخجل  بعد ( تسفيط )  هذا الكذب،   سريعاً  اشتريت  ثلاث أكياس خيش كبيرة (كواني  أم القلم الأحمر )  وطلبت من أحد الأصدقاء أن يأتي لمساعدتي ، في وقت  ظهر اليوم التالي ، ذهبت  مع الرفيق  الى ( النجار صباح )  واعطاني  مفتاح المخزن  في السرداب  واخترنا  ( العصي )    وملأنا  ثلاث كواني  ، لا زال  أمامنا  ساعتين  على الموعد ، وجدنا  تاكسي  ووضعنا  ( الكواني )  في سيارة التاكسي   واخبرت  السائق ان يوصلنا  الى منطقة علاوي الحلة ( من أجل الصيانة )  ومن هناك  اخذنا سيارة  ( تاكسي )  أخرى  الى الرصافة  قرب سوق السراي  ومنطقة مصلحة نقل الركاب  ، المتجه  الى جانب الكرخ ، كان السائق قد ساعدنا  في نقل الكواني  الى السيارة  وهو يبتسم ،  ويقول  اليوم جميل ، قال رفيقي  أحمل ( سكين )  وعلى استعداد  للمعركة  اذا بدا شئ من سائق التاكسي ، عبرنا جسر الشهداء وهناك  اوقف   التاكسي  قرب محطة باب  امصلحة نقل الركاب،  وأيضاً  ساعدنا  في نقل الكواني  الى داخل  كابينة محطة الباص ، وقال  كل التوفيق لكم  وهو يبتسم  وذهب  مسرعاً .

المنطقة ( تروش )  من الناس  - أقترب  أحد  الواقفين  في منطقة الباص  وسلم وقال  : اذا سمعت التصفيق  والهتاف  ، افتح الكواني  وانشر قطع  الخشب على الأرض ، مضت  دقائق وكأنها الساعات  ، عندما بدأ التصفيق  والهتافات  وجاءوا مسرعين  ، راكضين  الى  منطقة الباص  وأخذوا  العصي  وركضنا  ونشرت اللافتات  والهتاف بحياة الحزب  الشيوعي العراقي  وتدافعنا  اثناء  ركضنا  ونحن نرفع العصي  ودخلنا السوق  قرب ( بائع اللبن )  الى سوق القماش  وسوق الصفافير   ثم انتظمت  المظاهرة  واصواتنا  ترتفع  عالياً  يغمرنا الخوف  والفرح  والتحدي والعجلة  لأنهاء  هذه التظاهرة .

رجعت في الطريق الذي انتهت هذه الفعالية  الى بداية انطلاقها  - لقد وجدت   "فردات" من الأحذية  - والنعل  تركت اثناء  مسيرنا  الذي  يشبه الهرولة  ونحن نتدافع ، لقد نجحت التظاهرة – المشاركة -  جيدة بالحضور  والشعارات  والهتافات  بحياة الحزب  المجيد . كانت تمريناً  لمعارك قادمة .

 مساء اليوم التالي  ذهبت الى المقهى  قرب  منجرة الصديق  صباح ،... ، صاح عندما رآني ( ها عملت  سياج لقطعة الأرض  وهو يضحك وقال اعتبرني مشاركاً معكم ) .  لقد وصلت أخبار المظاهرة .. اعتذرت  منه وشكرته  وقبلته  لأني لم أخبره  عن حقيقة (( العصي والتوائي )) .

* قطعة الأرض  في المنصور  بعتها  وبثمنها أشتريت  جواز سفر وهربت  خارج الوطن.