طريق الشعب

ضيّف "تجمع شارع المتنبي" الثقافي، صباح الجمعة الماضية، أستاذ الأدب العربي د. سعيد عدنان، الذي قدم محاضرة بعنوان "التنوير فكر نهضوي"، بحضور جمع من المثقفين والاعلاميين والناشطين والمهتمين في الشأن الفكري.

المحاضرة التي احتضنتها "قاعة علي الوردي" في المركز الثقافي البغدادي بشارع المتنبي، أدارها الإعلامي عامر عبود الشيخ علي، مستهلا تقديمه بالقول: "سادت مناخات العالم خلال القرون الماضية، نزاعات وحشية ، ادت الى ظلام أجوائها نتيجة تعصب البعض دينيا وايديولوجيا وقوميا، ما تسبب في اعتلال الفكر وانحساره وضيق الافق"، متابعا القول ان الكثير من الدول الأوربية تجاوز تلك الأجواء، عبر تأسيس عقلي معرفي ذي مضمون انساني.

د. سعيد عدنان، وفي معرض محاضرته، تحدث عن الفكر التنويري، مشيرا الى ان مديات التنوير مردودة الى سلطة العقل، وان اوربا عملت في عصر النهضة، بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر، على إحياء التراث اليوناني والروماني، ثم دخلت منذ القرن السابع عشر وخلال القرن الثامن عشر، عصر التنوير "لتخرج من سلطة التراث وسلطة الكنيسة والعواطف والانفعالات، الى سلطة العقل المتزن".

وأضاف قائلا ان "التنوير بهذا المعنى ينطلق من مبدأ قدرة الانسان على معرفة ما حوله"، متسائلا ومجيبا في الوقت ذاته "هل يصح للفلسفة ان تنفصل عن العلم التجريبي؟ فإذا انفصلت الفلسفة عن هذا العلم وقعت في الاوهام والخرافة".

وأوضح د. عدنان ان التنوير بلغ ذروته في القرن الثامن عشر، وان هذا العصر شهد ظهور فلاسفة كبار، أمثال الفرنسيين روسو وفولتير والالماني كانط، الذين انتقلت أفكارهم حتى إلى المفكرين العرب بعد ان حوربت حضارتهم من قبل الفكر المتطرف، ودخلوا عصور التخلف والظلام، مضيفا ان العرب في القرن التاسع عشر، بدأوا يستفيقون، وبدأت ملامح التنوير تنتقل اليهم من اوربا.

واستذكر المحاضر عددا من أعلام التنوير في مصر، الذين عبروا عن الأفكار العقلانية، أمثال احمد لطفي السيد الذي ترجم آثار ارسطو من الفرنسية الى العربية، وأسس جريدة في مطلع القرن العشرين كانت تدعو الى العقلانية والى التحرر، وأصبحت مهدا لجيل من حملة الفكر التنويري مثل عباس محمود العقاد وطه حسين ومحمد حسنين هيكل.

وتابع قائلا ان الشخص الثاني الذي حمل مشعل التنوير في المنطقة العربية، هو علي عبد الرازق، الذي كان قد أصدر كتابا عنوانه "الاسلام واصول الحكم".

كما تحدث المحاضر عن المفكر طه حسين، الذي بدأ طريقه بالشك في قضايا عديدة كان مسلما بها، وصار يراها غير ثابتة، ويرى أن الشك هو الطريق إلى اليقين.

ثم سلط الضوء على المفكر سلامة موسى، الذي ساهم في نقل نظرية داروين إلى العربية، وكتب في علم النفس، وانتقد الكثير من القضايا المسلم بها، والتي كانت شائعة في المجتمع العربي، وذلك من خلال فكره الذي يستند إلى المعرفة العلمية التجريبية.

ولفت د. عدنان إلى أن التنوير في المنطقة العربية لم يستمر، وان الخرافة عادت مجددا وأخذت الحيز الأكبر في تفكير الناس، موضحا ان السبب في ذلك هو ان التنوير كان مقتصرا على النخبة، ولم يصل الى عامة الشعب في مصر او غيرها من البلدان العربية، إلى جانب شيوع الامية وقلة المدارس وقيام انظمة عسكرية ليس من مصلحتها ان يعلو شأن العقل والفرد الحر المتنور.

وتطرق المحاضر في نهاية محاضرته، إلى تأثير حركة التنوير في العراق مطلع القرن العشرين، من خلال الشاعرين الزهاوي والرصافي، مشيرا إلى ان الأخير، وبالاضافة إلى كونه شاعرا، كان صاحب فكر، وان نظرته الى التاريخ كانت نظرة عقلية فانتقد جوانب كثيرة منه.

وفي الختام قدم رئيس التجمع د. علي مهدي، شهادة تقدير إلى د. سعيد عدنان.