ضيّف "ملتقى د. علي إبراهيم" الثقافي في مدينة الحلة، أخيرا، الباحث والناشط المدني د. سلام حربة الذي قدم محاضرة بعنوان "الأديان والحداثة"، بحضور جمع من المثقفين والأكاديميين والأدباء والمهتمين في الشأنين الثقافي والفكري.

أدار الجلسة الاستاذ نبيل الربيعي، الذي عرض سيرة الضيف وسلط الضوء على أبرز نشاطاته الثقافية والمجتمعية.

 بعد ذلك قدم د. حربة شرحا حول الحداثة "بوصفها مفهوما تاريخيا ثقافيا ارتبط مع عصر التنوير.. عصر العلم ومنطق العقل، والذي احدث ثورة في النظر الى كل الظواهر، طبيعية كانت أم ذاتية"،  مضيفا القول ان "الحداثة ليست قياساً مجرداً، بل هي نتاج مرحلة تاريخية وزمن حيّ في صيرورة المجتمعات، وانها اتبعت المنهج التجريبي الحسي".

وأشار إلى أن "الحداثة نتاج العقل، والانسان فيها هو المركز، وانها قامت بفصل الدين عن النظام السياسي، وجعلت منه منظومة روحية واخلاقية باهرة، وعملت من القوانين والدساتير الموضوعية التي يفرضها المجتمع في كينونته وتشكله البنيوي الهدف الذي تسعى اليه الشعوب في صراعها مع الواقع من اجل تغييره، وانتقاله النوعي نحو آفاق تطورية جديدة".

ولفت الضيف إلى ان "الحداثة لا تقتصر على قطاع دون آخر. فهي تشمل الحياة كلها، العلوم والفلسفة والثقافة والاقتصاد ومبادئ السياسة والاجتماع وعلم النفس، والذائقة والمشاعر وتربية الحواس وتغذية الذهن، حتى في النظر الى الاديان ونصوصها المقدسة"، مستدركا في قوله: "لكن يبقى السؤال: هل بالإمكان تحديث تفسير نصوص الاديان وجعلها منسجمة مع أعراف وقوانين الحياة الجديدة في كل عصر ومكان؟".

ورأى د. حربة أن ذلك "اصطدم بعدد من الموانع والمحددات، خاصة من قبل الفقهاء السلفيين ورجال الدين المحافظين الذين يؤكدون دائما أن النصوص الدينية لن تخضع للتجربة والفحص، وان من قام بتفسيرها وشرح مقاصدها علماء افذاذ لا يأتيهم الزلل والظلال والباطل".

وبيّن أن  "هذه الرؤية الدينية تقف بالضد من الحداثة، وانها كانت قد اتهمت المشتغلين في مضمار العلم والعقل بالزندقة والكفر، وحللت قتلهم والتنكيل بهم. وهذا ما حصل في أوربا أبان الصراع الحاد بين العلمانيين والمتشددين الدينيين، وتشكيل محاكم التفتيش التي ارتكبت أبشع الجرائم بحق الناشطين التنويريين".

وتحدث الباحث الضيف عن التنويريين من العلماء والفقهاء والمفكرين خلال القرن العشرين، وحتى الفترة الراهنة، والذين حاولوا ان يخرجوا الدين من عزلته في زمن العلوم والتكنولوجيا، وابتدأوا بوضع المقاييس العقلية للنصوص الدينية والخروج بمعاني ودلالات متحركة تنسجم مع روح العصر وتلبي حاجات المجتمعات الروحية والأخلاقية والشعورية، مشيرا إلى ان انقطاع الشعوب عن الحاضر وثوراته، يجعلها تعيش في أفكار القرون الوسطى، وثقافاتها التي لا تشيع سوى الطائفية والكراهية والعنف بين المكونات والالوان الاجتماعية.

وأثارت المحاضرة الكثير من التعقيبات، التي ساهم فيها كل من الشاعر جبار الكواز، الاستاذ محمد عباس، د. ستار العبودي، الباحث محمد الزهيري، الشاعر سعد الشلاه ود. عدي الأسدي.