من ازقة الفقر وفي جنبات احياء الكادحين في مدينة الثورة التي نشأ وعاش فيها، اكتسب شرارات الوعي الأولى، ونمت معه وفيه مع الزمن، بتأثير القراءة والتطلع الى المعرفه. وفي ظل احتدام السياسة وتعسف السلطة، اختار طريق النضال المهني الديمقراطي عبر الانتماء الى المنظمة الطلابية ـ الاتحاد العام للطلبة في الجمهورية العراقية ـ ذات التوجه اليساري والتي يشكل الشيوعيون ابرز قادتها وناشطيها. وبفعل جهاديته العالية وكفاءته التعبوية والتنظيمية، تقدم بسرعة الى المراكز القيادية، ومن خلال العمل المهني الطلابي انغمر في العمل السياسي المباشر منحازا للحزب الشيوعي العراقي وناشطا في احدى منظماته، وقاده صبره واتزانه ونضج تجربته للبروز قائدا طلابيا ومنظما بارعا. وهو من مواليد 1954.

 وبمقدار ما كان جادا في السياسة، كان جادا ايضا في حياته الدراسية، فقد تخرج من الجامعة التكنولوجية في بغداد مهندسا متخصصا بالميكانيك في عام 1977، واكمل الخدمة العسكرية الإلزامية مجندا، ثم تعين مهندسا وفقا لقواعد التعيين المركزي التي كانت سائدة آنذاك في مشروع حكومي، غير ان الظروف السياسية في العراق لم توفر له وللالاف من غيره أيضا، من خيرة الكفاءات العراقية فرصة العمل لبناء وطنهم والمساهمة في تقدمه واعماره، كون قيادة حزب البعث الحاكم ضاقت بالمختلف، ليس بمصادرة رأيه فقط وانما مصادرة حياته أيضا، ولم يكن من خيار سوى الهجرة او الموت عضويا اوسياسيا، مقابل الانتماء لحزب السلطة.

لذلك غادر العراق عام 1979 الى الجزائر متمسكا بحرية الضمير في اعماقه، وهناك عمل مهندسا في شركة آرزيو النفطية (المصافي) في مدينة وهران، وعاش فيها مدة سنة ونصف تقريبا. وحين بدا طريق العبور الى كردستان ممكنا وسالكا، شد الرحال نحو ارض الوطن متحمسا، مجتازا سلسلة من محطات الانتظار الوسطية والانتقالات بين دمشق والقامشلي، الى اجتياز نهر دجلة بوسائل بدائية تحت جنح الظلام، عدا عن وعورة ومخاطر الطريق، وغضب الطبيعة وقسوتها، متزنرا بسلاحه بين الفرح والتوجس، حتى وصل الى قاعدة ناوزنك الانصارية الواقعة قريبا من الشريط الحدودي مع المناطق الكردستانية في ايران، حوالي منتصف شهر آب عام 1981. ومن المعلوم ان ناوزنك والقرى المهجرة المحاذية لها تتبع الى قضاء رانية، محافظة السليمانية.

وفي ناوزنك حيث تنسب الى احدى فصائل الموقع، تميز بالالتزام الشديد في أداء المهام السياسية والانصارية، وشارك في عدد من المفارز الاستطلاعية والقتالية، وفي مفارز التموين والبريد، واتسم بالايجابية والهدوء في التعامل مع الأوضاع الصعبة والحرجة، وقد حظي دائما بمحبة وتقدير رفاقه الذين عمل معهم، وعلى المستوى السياسي والحزبي كان مهموما بتطوير الحياة الحزبية وانتظامها، مبادرا في طرح المقترحات والملاحظات وجريئا في استخدام سلاح النقد حيثما تقتضي الضرورة، ولديه إمكانية جيدة في بلورة أفكاره بأدق العبارات.

في صيف 1982 انتقل الرفيق عطوان الى بشتاشان، وتنسب الى فصيل بيانا، ومن الجدير بالذكر ان الأنصار البواسل من هذا الفصيل قدموا أروع صور البطولة في التصدي للهجوم الغادر، الذي اقترفته قوات الاتحاد الوطني الكردستاني بالتنسيق مع نظام صدام حسين على مواقع الحزب الشيوعي في بشتاشان في الأول من أيار 1983 ، وسقط منهم العديد من الشهداء والجرحى، وكان اول الشهداء الرفيق أبو يحيى اداري الفصيل (الفنان المسرحي شهيد عبدالرضا).

وبعد ثلاثة أيام من القتال المتواصل ليلا ونهارا، اضطر الأنصار الشيوعيون الى الانسحاب عبر جبل قنديل الذي تكسوه الثلوج طيلة أيام السنة، وكان من المؤسف ان الانسحاب لم يكن منظما بما فيه الكفاية، وكان اغلب الأنصار في المفارز المنسحبة مرهقين جسديا بسبب عنف المعارك وقلة النوم، والاهم من كل ذلك لم يكن ما يكفي من الادلاء الموثوقين، العارفين بالطرق المؤدية للوجهة المطلوبة. كان الرفيق عطوان ضمن مفرزة ضمت تنوعا من السواعد الشابة من المقاتلين الاشداء، ورفاقا من قيادة الحزب، واخرين من كبار السن، مما صعب من قدرة المفرزة وسرعة حركتها. توقفت المفرزة للاستراحة في قرية كويلة بعد ساعات طويلة من المشي المتواصل على قمة جبل قنديل في جو قارص البرودة، وعندما توزعوا على بيوت القرية حسب العادة المتبعة في القرى الكردستانية، وجدوا ان القرية خالية تماما من الرجال، وهو امر غير معهود مما اثار الريبة لديهم.

ولذا اضطروا الى مغادرة القرية والتوقف خارجها لتنظيم وضع المفرزة للتحرك من جديد، واثناء ذلك فوجئت المفرزة بزخات كثيفة من الرماية المركزة من مرتفع يشرف على مكان تواجدهم بالضبط، وكان لا مفر من الانتشار والرد على النيران المعادية، باشر الرفاق بقتال شرس كل من موقعه، ولكن المكان كان مكشوفا تماما والحصار محكما، قاوم الرفاق الهجوم بما تيّسر لديهم من العتاد والذخيرة ببطولة نادرة، في معركة غير متكافئة، انتهت بفقدان احد عشر شهيدا من خيرة الكفاءات السياسية والفكرية والتخصصات الدراسية العلمية، وعدد من الجرحى، وكان الرفيق عطوان واحدا من شهداء هذا الكمين المميت. إضافة الى ابوهندرين (عبدالوهاب عبد الرحمن سالم)، ابوسمير (عبدالحسين احمد)، عمار (سمير يوسف كامل) ابوبسيم (رعد يوسف عبد المجيد)، ابوظفار (قيس عبدالستار القيسي)، رعد (طارق عودة)، ابومكسيم (سيدو خلو اليزيدي)، واخرين.

ان اقتراف جريمة ازهاق روح الشهيد عطوان والكوكبة الرائعة من رفاقه الابطال الذين اريقت دماؤهم في تلك القرية، وكل شهداء بشتاشان، ستظل مع التاريخ وصمة ادانة لن تزول، لكل عصابات القتلة الذين ارتكبوا ذلك الفعل الشائن، وللنهج السياسي الذي غذاه، ولسياسة الارتزاق تحت أية ذريعة او مسمى، ذلك لان المغدورين، انما حملوا سلاحهم أصلا، دفاعا عن قيم الحرية في العراق وفي كردستان، ومن اجل الديمقراطية للعراق وحق الشعب الكردي في تقرير مصيره.


* المعلومات الشخصية عن حياة الشهيد مصدرها النصير عادل عمارة (عدنان)