بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد كارل ماركس، اقامت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الدنمارك ندوة فكرية حوارية ، مساء 10/11/2018 في كوبنهاغن، استضافت فيها الدكتور فاخر جاسم بمداخلة عنوانها (الماركسية: فلسفة للتبرير أم فلسفة للتغيير؟)، وشارك الدكتور حسن عبداللة بدر بمداخلة ضافية بعنوان (هل غاب ماركس بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي).

ادار الندوة الدكتور شابا أيوب، مرحبا في البدء بالضيوف والحضور، مُضمّناً حديثه نبذة عن حياة ماركس، محطات انجازاته الفكرية والفلسفية وكفاحه الثوري، ومن بين ما جاء في حديثه :

كارل هنريك ماركس فيلسوف ألماني، واقتصادي، وعالم اجتماع ، ومؤرخ ، وصحفي واشتراكي ثوري، ولد في 5 أيار 1818 في عائلة غنية من الطبقة الوسطى في مدينة تْرَير غرب ألمانيا. حيث كان والده محاميًا ناجحًا يحمل تقديرًا لعمانوئيل كانط وفولتير.

درس ماركس في جامعتي بون و برلين حيث أصبح مهتمًا بالأفكار الفلسفية للهيغليين الشباب. وفي مؤلفه الأول الذي كان رسالته في نيل درجة دكتوراه في الفلسفة بعنوان« الاختلاف بين فلسفة ديموقريطس وفلسفة أبيقور» عام 1841 يخرج ماركس من فلسفة هيغل بنتائج جذرية للغاية. وفي عام 1842 أصبح ماركس عضواً في هيئة تحرير صحيفة « راينيش تسايتونغ » ثم أصبح فيما بعد رئيس تحريرها. وقد حول ماركس الصحيفة إلى أداة للديمقراطية الثورية.

بعد عمله بالصحافة بدأ في تطوير نظريته في المادية الجدلية وهي ركن أساسي من أركان الفلسفة الماركسية ، بناها ماركس بمزاوجة مادية فيورباخ الساكنة مع مثالية هيغل التاريخية ، وتَعتبِرْ أنّ الفكر هو نتاج المادة وان المادة ليست نتاج الفكر، أي ان الوعي هو انعكاس للمادة وليس العكس، وهو ما ينفيه الفلاسفة المثاليون. و تؤمن المادية الجدلية بالتطور وفق قوانين الدياليكتيك الثلاثة وهم : نفي النفي، وحدة صراع المتناقضات، تحول الكم إلى كيف.

يَعتبِرْ ماركس ان الصراع الطبقي هو المحرك الأساسي للتاريخ. ان ما يسمية البناء الفوقي الذي هو الأنظمة السياسية، و القيم الاجتماعية، والأديان، هي انعكاس للواقع الطبقي والمادي المُعاشْ.

اُعتبِرَ ماركس أحد أعظم الاقتصاديين في التاريخ. وهو الذي كتبَ ان التاريخ تحكمه قوانين يدركها العقل الانسانى، و إنّ هذه القوانين حتميه ، لإنها ناتجه عن حركة التاريخ نفسه. وهذه القوانين ليست كقوانين العلوم البحته ، لكن هى حقائق مرتبطه بطبيعة العمل و الانتاج، و طريقة توزيع الثروه بين المواطنين، فالثروه هى نتاج العمل، و العمل يقوم به الناس الذين يعملون بإيديهم و علمهم و مواهبهم، وعليه فالمفروض ان الثروه تبقى مِلك العاملين أنفُسهم. وأورد هذه الأفكار في المُجلّد الأول لرأس المال والذي نشره في 1867 .

في عام 1846 إنضم ماركس إلى منظمة سرية تدعى " حزب العدالة " أثناء اقامته في بروكسل. وفي يونيو من عام 1847 تمت اعادة تنظيم حزب العدالة وتحويله إلى مجتمع سياسي علني باسم " الرابطة الشيوعية ". شارك كل من ماركس وانجلز في صياغة البرنامج والمبادئ التنظيمية للرابطة الشيوعية الجديدة. في فبراير من العام 1848 تم نشر البيان الشيوعي لأول مرة, بعد أن تمت كتابته للرابطة الشيوعية. في البيان الشيوعي يصف ماركس الشيوعية : « وما أن تختفي، في سياق التطور، الفوارق الطبقية، وما أن يتجمع الإنتاج كلّه في أيدي الأفراد المتشاركين، حتى تفقد السلطة العامة طابعها السياسي. فالسلطة السياسية بمعناها الحقيقي، هي العنف المنظَّم لطبقة في سبيل قمع طبقة أخرى ».

وعشية الذكرى المئوية الثانية لميلاد ماركس أشاد الرئيس الألماني فرانك شتاينماير بالفيلسوف والثائر الألماني كارل ماركس، واصفاً إياه بأنه "مفكر ألماني عظيم". وأكد شتاينماير على أن ماركس كان مفكراً حاسماً في فكره، "وكانت مبادئه حاسمة"، مضيفاً أنه قدم "طرحاً هائل الحتمية" و "طموحاً مطلقاً لعالمه الفكري"، غير أن القوة الداخلية الدافعة لماركس كانت هي ظروف عصره.

 ثم قدّمَ الدكتور فاخر جاسم مداخلة قيّمة، تناول فيها الـتأثيرالذي تركته الماركسية على حركة نشاط الإنسان وسعيه من اجل تحقيق أحلامه في الحرية والعدل والمساواة في ثلاث محاور:

المحور الأول: أثر الماركسية على تطور الفكر الإنساني

المحور الثاني: الماركسية وتجربة البناء الإشتراكي

المحور الثالث: معوقات تطور الماركسية

المحور الأول: أثر الماركسية على تطور الفكر الإنساني

نقتطف من حديثه ما يلي: "لماذا نحتفي بالماركسية بعد مائتي عام؟ يرى كثرة من الباحثين، ان ذلك يعود إلى سببين الاول، راهنية أفكار ماركس، والثاني، علاقة الماركسية بالتجارب الاشتراكية التي إنهارت.

عام 1969، بعد اكثر من مئة عام على صدور البيان الشيوعي، قال السير جون هكز الحاصل على جائزة نوبل بالاقتصاد : إنه لأمر استثنائي حقا أنه لم يطرأ أي جديد ، إلا ما ندر، رغم مرو مائة عام .

وعن أهمية ما اضافه ماركس لدارسي التاريخ، يقول المؤرخ أيرنت غلنر: إن مناقشة جادة للتاريخ البشري تعود إلى ماركس، وهي بدأت من حيث بدأ.

ما هي الماركسية؟

هل هي نظرية كاملة؟ هل هي عقيدة؟ هل هي أصولية ؟......

هل هي كتابات ماركس وأنجلز، أو كتابات لينين او ستالين، هل هي تقارير مؤتمرات الاحزاب الشيوعية والعمالية؟

هل هي الاشتراكية التي أقيمت في في أ.س وبعض بلدان أوربا الشرقية؟

الماركسية هي منظومة أفكار فلسفية واقتصادية واجتماعية وسياسية تشكل معا نسيجا واحدا لتكون منهجا فكريا للتعرف على العالم

وفي مجال البحث العلمي يمكن اعتبارها طريقة التفكير / لتحليل الظواهر، تعتمد المنهج الديالكتيكي/ الجدلي لفهم الواقع كما هو بهدف تغييرة للاستجابة لحاجات الإنسان.

ورات الماركسية أن تغيير الواقع يتطلب شيئين، أولهما توفير أدوات معرفية والثاني، فعالية بشرية، بمعنى أن المعرفة لا تكون تغييرية إلا إذا ارتبطت بالحركة السياسية للإنسان.

أدى تطبيق طريقة التفكيرالماركسية، في دراسة الطبيعة والمجتمع إلى ظهور قواعد منطقية ، أدت إلى تحولها،أي طريق التفكير، إلى منهج أطلق عليه المنهج الماركسي لتحليل الظواهر المختلفة.

إذاً ، الماركسية هي منهج كبقية المناهج ولكنه يختلف عن المناهج الأخرى بكونه منهجا جدليا تاريخيا له سمات عديدة من أهمها:

1ـ دراسة الظاهرة بالاعتماد على الواقع الاجتماعي، كما هو، ومصالح الطبقات والفئات الاجتماعية وصراعها من أجل مصالحها الخاصة.

2ـ تناول الظاهرة بارتباطها بالظواهر المجتمعية الأخرى والتأثير المتبادل بين بينها.

3ـ دراسة الظاهرة بكونها وجود تاريخي متغير، يرتبط بالزمان والمعارف المتوفرة.

4ـ دراسة الظواهرالاجتماعية باعتبارها تحمل جانبين، مترابطين ومتصارعين بنفس الوقت، الجانب الاول قديم والجانب الثاني يتكون عن عناصر جديدة، الأول يعمل للحفاظ على وجوده والثاني، يعمل لتغيير القديم والحلول محله، وبهذه الطريقة تختفي ظواهر وتنشأ ظواهر جديدة ملحها .

المنهج الماركسي لم يولد فجأة على يد ماركس وإنجلز ، بل هو نتيجة تطور المعرفة والفكر الإنساني، لذلك فهو ليس منهجا مكتملاً ثابتا، خارج حدود الزمان والمكان، بل يتطور تبعا لتطور الظروف المختلفة ويمكن أن يعطي نتائج مختلفة تختلف عن النتائج التي توصل إليها المؤسسون له.

نتج عن تطبيق المنهج الماركسي في الحياة الاجتماعية، نظريات عديدة، نظرية فائض القيمة، نظرية الدولة، نظرية الثورة، نظرية الصراع الطبقي، دكتاتورية البروليتاريا، البناء الفوقي والبناء التحتي وغيرها .

في مجرى التطور الاجتماعي وتطور المعرفة، فأن تطبيق هذا المنهج يمكن أن يؤدي إلى ظهور نظريات جديدة ربما تكمل أو تنفي النظريات التي انتجها ومنها التي أشرت لها، ولكن اهماله في تحليل الظواهر التي رافقت تطور الدول الإشتراكية على سبيل المثال، أدت إلى نتائج كارثية ليس على تطور الدول الاشتراكية، بل حتى على الاحزاب والحركات الاجتماعية التي تبنت هذا المنهج."

وطرح مختتما، هل ما زالت البشرية بحاجة لأفكار ماركس و للمنهج الماركسي؟ هل قُضيَ على إستغلال الإنسان للإنسان؟ وهل المساواة قائمة بين البشر؟

لطالما هذا لم يتحقق ليومنا هذا، ستبقى إفتراضات ماركس قائمة ومنهجه في التحليل مُعيناً للباحثين لمعرفة الجديد.

كما شاركً الدكتور حسن عبد الله بدر بمساهمة من ثلاثة نقاط. إذ بيّنَ، في النقطة الأولى، عدم صحة الروايات الغربية عن انتهاء وسقوط الماركسية على إثر سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة في نهاية الثمانينات. فقد قدّم بيانات وأرقام تثبت قوة حضور كارل ماركس في المجال العلمي وحقول الصحافة والتواصل الاجتماعي المختلفة، وبخاصة بعد أزمة عام 2008 الاقتصادية التي ضربتْ الدول الغربية حين تم اللجوء إليه (ولقة قليلة فقط من المفكرين على مستوى العالم كله) لمحاولة التعرف على أسباب الأزمة وكيفية الخروج منها. ومن بين مصادر أخرى، فقد أشار إلى الإستطلاع الذي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية وطلبتَ فيه من مستمعيها تسمية أعظم مفكر في القرن العشرين. وقد جاء كارل ماركس في المركز الأول بينما حل آينشتاين ونيوتن وداروين في المراكز التالية، الثاني والثالث والرابع على التوالي. وقد تضمنت النقطة الثانية بعض أبرز محتويات " البيان الشيوعي " الذي أصدره ماركس وإنجلز عام 1848، و " رأس المال " الصادر عام 1867. فهذه الوثائق تتحدث عن نزوع الرأسمالية نحو العالمية ورغبتها العارمة في تجاوز الدول والقوميات، ورغبة البرجوازية باكتساح الأرض بأسرها، مدفوعةً بحاجتها إلى الأسواق الجديدة التي تكتسب بها طابعًا عالمياً. وهذا قد يكون أقرب وصف لما نسميه اليوم الرأسمالية العابرة للقوميات أو المتعددة الجنسيات التي تديرها شركات عملاقة ذات رساميل ضخمة. وثمة إشارة خاصة إلى فكرة ماركس عن عجز الرأسمالية، بحكم طبيعتها، عن تأمين العمل لكل قوة العمل المتاحة، وكذلك استمرار وجود نمط لتوزيع الدخل القومي في النظم الرأسمالية من شأنه خلق فجوة كبيرة ومتسعة بين الطبقات العليا والفئات الأخرى في المجتمع. كما تضمنت مساهمة الدكتور حسن بدر الإشارة إلى ما طرأ من تغيرات في ظروف العمل والحياة في الدول الرأسمالية أيام ماركس وأنجلز في القرن التاسع عشر وظروف الوقت الحاضر من ناحية عدد ساعات العمل، والتأمين ضد البطالة والمرض والشيخوخة، وعمل النساء والأطفال، وحقوق العمال في التعليم والتأهيل والاقتراع وحقوقهم الاجتماعية الأخرى، وتأثير كل ذلك على حياة العمال ونضالهم المهني والسياسي وبالتالي مكانتهم في مجتمعاتهم.

وقد طرحَ الجمهور الكريم، أسئلة وإستفسارات ومداخلات قيّمة وفي صميم الموضوع ، حيث قيّموا تقييماً عالياً جهود المحاضرين والأفكار التي طرحوها، وتناولت موضوعات مختلفة و منها; هل تدخل تجارب الإشتراكية الديمقراطية في الدول الإسكندنافية ضمن تطبيقات الماركسية؟ وهل فشل التجربة السوفييتية كان بسبب النظرية الماركسية أم بسبب التطبيقات الخاطئة؟ وهل المشكلة هي بدكتاتورية البروليتاريا ونظام الحزب الواحد أم بالتطبيق؟ وهل كان بالإمكان تفادي سقوط التجربة السوفييتية منذ الستينيات؟ وتسآلوا عن العوامل التي تعيد الثقة بالإشتراكية، مما اضفى على الامسية جوا من دفء الحوار وتبادل الافكار.

وفي سياق الرد عليها وتوضيحها، أشار الدكتور حسن إلى عوامل معينة مثل محدودية التطور الرأسمالي نفسه في الامبراطورية الروسية (بالمقارنة مع الدول الأخرى حينذاك، وبخاصة انكلترا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة) في بداية القرن العشرين؛ والتدخل الأجنبي؛ والحرب الأهلية؛ وغياب الديمقراطية فيها هي نفسها، من بين أمور أخرى، كعوامل ساهمت في سقوط تجربة الاتحاد السوفيتي. كما أنه تطرقَ إلى الأزمات التي ما تزال تعصف بالدول الرأسمالية، ولكنه أشار أيضاً إلى القدرات الانتاجية الواسعة لهذه الدول وتوظيفها للعلم والتكنولوجيا في هذا السياق، وبالتالي قدرتها على إمتصاص أزماتها وتكيفها معها.