تحمل الحركة الاحتجاجية عموما ، وما يحصل في البصرة على وجه الخصوص، رسائل عدة موجهة الى كل السياسيين العراقيين ، وبالذات الى من تولوا الحكم وكان بيدهم الامر والنهي طيلة الخمسة عشر عاما الماضية .
فاساسا ليست الحركات الاحتجاجية نزوة او حالة نزق او مسعى لاضاعة الوقت ، ولا هي تروم اشاعة الفوضى او الاضرار بالمال العام والخاص، او الحاق الاذى بالقوات الامنية التي افرادها في غالبيتهم لا تختلف احوالهم عن احوال المحتجين والمعتصمين والمتظاهرين. فاساس الحراك منذ 2011، هو التعبير عن معاناة حقيقية وظروف قاسية ، وهو رفض لنهج وصف في وقت مبكر بانه فاشل ومدمر . وكان ذلك جرس تحذير للحكام من ان استمرار التمادي والاصرار على ذات المنهج والسلوك والاداء، لن يجلب الا المزيد من الكوارث ويضاعف درجات الاحتقان ويرفع منسوب الغضب والاستنكار والياس ، وقد يبلغ الرفض حدا يصعب التكهن بمساراته. خصوصا عندما يصل المواطن الى القناعة بانه لا يوجد شيء يفقده بعد ان عُصر وطًحن بالمرض والجوع والفقر وفقدان الافق .
وبدلا من الاستجابة الى هذا الصوت الوطني الحريص ودفع العملية السياسية الى نهاياتها المنطقية والعقلانية بما يستجيب لتطلعات الناس بعد التغيير في 2003 ، والرغبة الصادقة في تصحيح المسار ، صَمّ الحكام اذانهم ووصفوا الحركة الاحتجاجية انذاك بمختلف الاوصاف التي ثبت خطلها وتهاوت واحدا بعد اخر ، ولجأوا الى كل الاساليب غير القانونية وغير الدستورية لوأدها ، وراحوا يراهنون على عامل الوقت لامتصاص نقمة الناس ، بدل التوقف عند الحركة ودراستها بما ينفع في استخلاص الدروس والاستجابة للمطالب ، وهي عموما عادلة وشرعية .
ان الحركة الاحتجاجية على مدى السنوات الماضية ، وفي نسختها الحالية ، لم تكن الا حالة رفض جماعي للتهميش والاقصاء ، ولسوء الاحوال المعيشية والتدهور الحاصل في كل نواحي الحياة وسوء الخدمات ، وتفاقم الفقر والبطالة وتفشي الفساد. وبسبب هذا جاء توجيه اللوم والعتب والانتقاد والرفض لتلك القوى التي يعتقد المواطن انها السبب وراء ذلك ، ويجري تحميلها كامل المسؤولية عما يحصل سواء كانت في السلطات الاتحادية أم في المحلية . فالمواطن يرى في العديد من المتنفذين عنوانا للفشل وسوء الادارة وحماية الفساد ، وانهم فضلوا مصالحهم على مصلحة الناس والوطن ، وهو يرى بام عينيه الحياة الباذخة التي يعيشونها ، هم وذووهم ومن والاهم .
ولا بد من الاشارة ايضا الى ان البعض من المسؤولين والسياسيين تصرف ويتصرف بما يخدش مشاعر المواطن وكرامته الوطنية ، حين يرى ان بلاده مستباحة وقد فقدت الكثير من جوانب سيادتها واستقلالية قرارها . ومن هنا جاء التشديد قويا على استقلالية القرار العراقي وان تراعى مصالح العراق قبل اي بلد اخر.
ان الحركة الاحتجاجية اشارة قوية ، والامل ان تُلتقط جيدا وتُفهم على نحو سليم ، وان لا يجري تضييع مطالبها الاساسية في لجة بعض الاندفاعات الخاطئة والمرفوضة وغير المقبولة اصلا ومنها التعرض للممتلكات الخاصة والعامة او الحؤول دون قيام القوات الامنية بواجبها الدستوري .
وبعد رسائل حركة الاحتجاج على مدى السنوات السابقة ، وما حملته نتائح الانتخابات ، جاءت انتفاضة البصرة لتوجه اوضح واقوى رسالة ، وهي ما يتوجب التقاطها سريعا والتفاعل الايجابي معها قبل فوات الاوان، ولعل في مضمونها العميق ما يدلل على ان لا احد مهما كان جبروته يستطيع حبس او مصادرة ارادة التغيير الآخذة في الاتساع ، وهو مطلب الملايين الذين يشاركون الان في الحركة الاحتجاجية او يتعاطفون معها .
ان ما يحصل يتوجب ان يجد انعكاساته الايجابية في تشكيل الحكومة القادمة والتي امامها كل هذه التحديات ، ومن المؤكد انها لن تستطيع النهوض بواجبها المطلوب اذا جاء تشكيلها وفقا لسياقات ثبت فشلها !

عرض مقالات: