تتسابق الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات على تشكيل الكتلة الأكبر. وفي خضم السباق برزت وجهتان: وجهة تريد الإبقاء على المنهج المعتمد منذ ٢٠٠٣، والذي انتج الفشل الشامل، وجعل العراق مرتعا للمرض والبطالة والفساد وسوء الخدمات، كما انتقص من سيادة العراق واستقلاله بفعل التدخل الإقليمي والدولي في أبسط قضايا حفظ السيادة الوطنية. وذلك هو منهج المحاصصة الطائفية المقيت الذي يغلي الشعب العراقي غضبا من نتائجه الكارثية، مهما حاول البعض تزيينها واضفاء بعض الرتوش عليها، ويحاول تسويقها هذه المرة أيضا، انما بإخراج جديد.
تقابل ذلك وجهة أخرى، تقوم رؤيتها على اخراج النظام القائم من مأزق المحاصصة الطائفية، وإعادة بنائه وفق مبدأ المواطنة، دون ان تهمل موزاييك الشعب العراقي وتنوعه الفكري والقومي والديني والمذهبي. وجهة تؤسس لكتلة برلمانية عابرة للطائفية ومناهضة لها، عبر إرادة وطنية لا تخضع للإملاءات وترفض الولاءات الإقليمية والدولية.
انها وجهة تعتمد منهجا صارما يؤكد معالجة الانحراف في نظامنا السياسي البرلماني، الذي شهد التشويه والفوضى وعدم الاستقرار، بسبب اشتراك الجميع في الحكم وغياب المعارضة الرسمية. إذ لا بد من ثنائية الحكم والمعارضة. وبهذا يمكن انهاء التناقض الكارثي المتمثل في استمرار الحكومة، رغم عدم تطبيقها برنامجها الوزاري، مع اعتماد مقولة "اثنان لا يجتمعان: استمرار الحكم مع عدم تنفيذ البرنامج".
لا تكتمل الوجهة دون ان تنظم منهاجها في العمل بشكل صارم ودقيق، عبر جهد منظم ما امكن، يبدأ بتبني برنامج ملموس واقعي، يصمم وفقا للإمكانيات الملموسة، ويضع الأولويات حسب أهميتها لكرامة المواطن وسيادة العراق. برنامج قابل للتنفيذ، ويمكن قياس مراحل تطبيقه بجدول زمني. وتطرح الكتلة الى جانب ذلك ثلاث أوراق أخرى، إحداها ورقة للمبادئ العامة التي تعتمدها الكتلة في توجهاتها، وترسم في الوقت ذاته خطوطا لا يسمح بتجاوزها. والثانية ورقة معايير اختيار رئيس مجلس الوزراء والكابينة الوزارية، ومن بينها تبني المشروع الوطني، وتأكيد الكفاءة والنزاهة والقدرة على إدارة فريق العمل الجماعي، وتفعيل العقل الجماعي، والشجاعة والحزم في مواجهة الفساد، والقدرة على المبادرة. فيما تركز الورقة الأخيرة على النظام الداخلي للكتلة، الذي يرتب حياتها الداخلية، ويحسن ادارتها، ويحدد قيادتها الجماعية، وينظم آلية اتخاذ القرار فيها. وسيحدد النظام الداخلي في هذا الصدد أربعة مستويات، الأول هو المستوى القيادي الذي يضم قادة الكتل الأساسية المنتظمة في تحالف الكتلة الأكبر. والمستوى الثاني هو مستوى القيادة السياسية للتحالف، اما الثالث فهو الهيئة العامة التي تضم جميع نواب الكتلة، والمستوى الرابع هو مستوى لجان تناظر اللجان البرلمانية، وتراقب عملها وترصده.
وبطبيعة الحال لا تعتمد كتلة من هذا النوع على المعيار العددي وحده، رغم أهمية العدد في تشكيل الكتلة الأكبر، انما تعتمد كذلك على النوع الذي يلتزم بالمنهج الجديد لإدارة الحكم، منهج مغادرة المحاصصة وبناء دولة المواطنة.
وهناك مستلزم آخر للتغيير هو معيار تمثيل التنوع البشري في العراق وفق مبادئ العدل والانصاف وعدم التمييز. فالتنوع الفكري والقومي والديني والمذهبي هو ثراء وجمال وقوة للبناء والتنمية والاستقرار، وليس عامل فرقة وانقسام اذا كانت المواطنة هي أساس البناء.