شعارٌ رفعه البصريون جميعا بعد أن تفاقمت الأزمات على مدينتهم الطيّبة وصارت على شفا كارثة إنسانية لا تبقي ولا تذر!
البصرة مدينة مائية منذ تكوين تربتها الأولى وما زالت ، وصفها الرحّالة الأوائل بمدينة الأنهار ، كما وصفها المتأخرون بفينيسيا الشرق تشبيها بمدينة البندقية ( فينيسيا ) الايطالية ، حيث الأنهار والجداول تمرّ من أمام البيوت وبين الأزقة والحارات ،، وجاء في بعض الكتب أن عدد أنهار البصرة في زمن الدولة العباسية بلغ 45 ألف نهر ، وآخرون ذكروا 33 ألف نهراً وجدولا يجري فيها الماء العذب سلسالاً يغذّي الزرع والضرع ويستقي منه سكّان الجزيرة العربية والخليج أيضاً.
كانت الزوارق الكبيرة والصغيرة والمهيلات والحمير والبغال ثم العربات تنقل الماء من شط العرب مباشرة إلى الكويت والإمارات والبحرين وغيرها ، و صار أصحاب الذوات والتجّار الكبار يبنون بيوتهم ــ الشناشيل ــ على ضفاف الأنهار ويجعلون لها شرايع ــ مسنّاة ــ ينزلون منها ليركبوا الزوارق وتغسل النسوة عندها الملابس وأواني الطبخ ، إضافة إلى إنهم يشربون الماء مباشرة من الأنهار والجداول. وهذه الطريقة كنت شخصياً أقوم بها في ستينات و سبعينات القرن الماضي عندما كنا نلعب ونعطش فنهرع إلى النهر لنغترف بأيدينا الماء وفي بعض الأحيان ننحني على النهر ونكرع الماء مباشرة ، كان عذباً زلالاً وذا نكهة خاصة!
لكن ابتدأ تلوث مياه الشط عند نشوب الحرب العراقية الإيرانية ثم اغلاق نهري كارون والكرخة وتغيير مجرييهما من قبل الجارة إيران ، كما تم تغيير مجرى العديد من الروافد والأنهار الاخرى التي كانت تتدفق منها أيضا ، لتبدأ أزمة المياه تتفاقم شيئا فشيئا في البصرة ، بالإضافة إلى الكميات الهائلة من المياه الثقيلة ( المجاري ) ومخلفات المعامل والمصانع الكبيرة والصغيرة التي باتت تصب في شط العرب!!
ابتدأ تفاقم ملوحة الماء وعدم صلاحيته للشرب في التسعينات حيث بدأ البصريون يشترون ماء الــ RO التي تنتجه المعامل الصناعية ومحطات التحلية الأهلية ، وتفاقمت الحالة أكثر بعد عام 2003 حيث أخذت كمية المياه تقل نسبتها في نهري دجلة والفرات ما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه المالحة القادمة من الخليج وبدأ اللسان الملحي يمتدّ تدريجيا منذ عام 2007 دون أدنى بارقة أمل في حل المشكلة، رغم مطالبات البصريين ومناشداتهم للحكومتين المحلية والمركزية. ، لكن الأخيرتين كانتا تعدان بكلام معسول وتراوغان دون أن تحركا كرسياً لتغيير الحال، حتى وصل الأمر إلى تلوث المياه وتسممها بمواد كيمياوية وكبريتية من مخلفات المعامل والمجاري، أدت إلى الاصابة بأمراض كثيرة ، ناهيك عن السرطان وخطورته، كذلك أمراض جلدية وهضمية. وقد وصلت حالات التسمم خلال الأيام الأخيرة الماضية إلى أكثر من 6 آلاف حالة ، دون أن تحرك الحكومتان ساكنا وما من بصيص أمل ولو شحيح!
مات الزرع والضرع والإنسان ولكن ..!
تحلية الماء وتنقيته وتصفيته وتعقيمه ليس بالعملية الصعبة أبداً، بل هي أسهل وابسط من رمشة عين إذا كان هناك ضميرٌ عراقيٌّ حيٌّ يشعر بما آلت إليه أمور البصرة وأهلها!
البصرة مهددة بكارثة إنسانية كبيرة في حال عدم التحرك سريعا لحل مشكلة المياه هذه ، ولا ننسى انها سرّة العراق وسلّة غذائه ونفطه وثرائه يا ...!!