لم أكن قد سمعت بالمفكر المصري الدكتور سمير امين، قبل فعالية (مناهضة العولمة المتوحشة) التي اقيمت في اواسط أيلول عام ٢٠٠١ في بيروت، وحضرها ناشطون من مختلف البلدان العربية، الى جانب شخصيات يسارية عالمية. وقد اسهمنا فيها نحن مجموعة من رفاق الدرب، الاحبة مفيد الجزائري وحيدر مثنى واسعد عرب.
وكان اسم سمير امين اكثر ما تردد في الفعالية، رغم وجود شخصيات فكرية اخرى مهمة جدا، في مقدمتها المفكر الكبير محمود امين العالم.
كان الاهتمام والاحتفاء بسمير امين استثنائيا، ولم نجد فرصة للتحدث معه بسبب شدة الزحام حوله. ولم تسنح الفرصة للقائه حتى بعد تقديمه محاضرته، حيث كان يصعب العثور على مقعد فارغ في القاعة. وقد قدم في محاضرته تلك تحليلا مكثفا للعولمة والتحولات الاقتصادية الاجتماعية، وثورة الاتصالات وتقنياتها، مسلطا الضوء على الجهد الانساني فيها. وتحدث عن افرازات العولمة ودور الشركات المتعددة الجنسية وموضوعة تعظيم ارباحها على حساب جوع الشعوب والاعتداء على البيئة وعدم الاكثرات لحاجات الانسان المعنوية.
بعد المحاضرة التي تطرق فيها الى البعد الإنساني للعولمة، وركز على مفهوم (عولمة الكفاح) ضد ما تخلفه العولمة الرأسمالية من فوضى، متمثلة في الحروب والجوع والامراض وتلويث البئية ومخاطر ثقب الأوزون، قصدت مكتبات بيروت لاقتناء بعض كتبه. وشاءت الصدفة ان اجد كتابه (امبراطورية الفوضى) وهو كتاب صغير الحجم يلخص فيه قراءاته الخاصة للماركسية، وقراءة جديدة للمادية التاريخية وأنماط الإنتاج، وتركيزه بشكل اساسي على موضوعة التبعية والعلاقة بين المركز والأطراف.
منذ ذلك الوقت وانا اتابع انشطة سمير امين. فهو الى جانب ثروته المعرفية وثراءه الفكري، مهموم بالنشاط الميداني، وله اسهاماته التنظيمية ومشاركاته التعبوية في الحركات الاجتماعية العالمية، وسبق ان ترأس المنتدى الاجتماعي العالمي، الذي اصبحنا لاحقا أعضاء فيه ونسهم في فعالياته العالمية.
التقيته في المنتدى الاجتماعي العالمي في دورته ١٣ في تونس صيف 2013، حين توفرت لي الفرصة الوحيدة – الاولى والاخيرة. وكان لقاءاً ثميناً جداً، بينت له فيه عزمي على الكتابة عن الحركات الاجتماعية في العراق، وسألته عن قضايا الحركات الاجتماعية عموما، ارتباطا بما ورد في كتابه (الحركات الاجتماعية في العالم العربي)، الصادر عن مركز البحوث العربية والأفريقية في القاهرة عام 2006، والذي كان احد اهم مصادر بحثي. وكان الراحل كريما في اجاباته وقد منحني ما احتجت من وقت.
بطبيعة الحال، لا يمكن لمن يتابع انشطة المفكر سمير امين ان لا يقرأ مذكراته التي صدرت في جزئين عن دار الساقي في بيروت عام 2006، وشرح فيها بالتفصيل سفر كفاحه من اجل الانسانية وسعادة شعوب الارض. فقد عمل في بلدان افريقة متعددة مثل الكونغو ومالي ومدغشقر والسنغال، واسهم في تأسيس مؤسسات بحثية ومنتديات كفاحية منها منتدى العالم الثالث، وتراس المنتدى الاجتماعي العالمي.
غادرنا المفكر والاقتصادي المصري اليساري البارز سمير أمين يوم 12 اب 2018، في العاصمة الفرنسية باريس، التي درس فيها لغتها الفرنسية واتقنها وكتب بها، وانتمى لحزبها الشيوعي ايام شبابه
رحل عن عمر ناهز 87 عاماً، قضاها في التفكير والبحث والكتابة والتنظيم والاسهام في الانشطة الاجتماعية والمدنية حول العالم، واضعا امام عينيه هدفا اساسيا وحيدا، هو الاسهام في تحقيق سعادة الانسان وحفظ كرامته، كعنوان ارأس لكفاحه من اجل عالم اكثر عدلا وانصافا.