الفقر كما يجمع معظم الباحثين في مجال الاقتصاد او المجتمع هو(حالة العوز المادي، حيث يعيش الانسان دون حد الكفاف المتمثل بسوء التغذية والمجاعة حتى الموت، وما ينتج عن ذلك من انخفاض المستوى الصحي والتعليمي والحرمان من امتلاك السلع المعمرة والاصول المادية الاخرى، وفقدان الضمان لمواجهة الحالات الطارئة كالمرض والاعاقة والبطالة والكوارث والازمات وغيرها) .
وعلى هذا الاساس كان موضوع الفقر ومعالجته في العراق، حيث تشكل نسبة الفقر اكثر من 30 في المائة حسب احصاءات وزارة التخطيط، محل اهتمام الحكومة العراقية التي قررت تطبيق الاستراتيجية الوطنية الثانية للتخفيف من الفقر في العراق باعتماد الية دائمة لضمان الادارة الرشيدة في تنفيذ ومتابعة وتقويم انشطة وبرامج الاستراتيجية، وان تكون هناك مشاريع خاصة يشارك في دعمها المانحون والمنظمات الاقليمية والدولية .. الخ
والسؤال المهم في هذا المجال: لماذا لم تحقق الاستراتيجية الاولى اهدافها في خفض نسبة الفقر الى 16 في المائة بدلا من 23 في المائة؟! فيما سارت الأمور في اتجاه معاكس، اذ ازدادت النسبة الى 30 في المائة حسب احصاءات وزارة التخطيط، اي ما يعادل ثلث سكان العراق البالغ عددهم 37 مليون؟ وهل جرى تقييم تلك الاستراتيجية للوقوف على اسباب هذا الفشل؟
ان فقراء العراق الذين يلاحقهم العوز في مختلف المراحل من تاريخ العراق الحديث يمتلكون الحق في الحصول على الفرص التي تؤمن لهم حياة كريمة وتعليماً يمكنهم من ممارسة دورهم في عملية التنمية وبناء المجتمع وخدمات صحية تحميهم من الامراض الفتاكة، بغض النظر عن الظروف التي اوجدتها عوامل لا علاقة لهم بها، ولم يكونوا مسؤولين عن ايجادها، ولم يجنوا شيئا يذكر من الثروة الوطنية التي انجبتها ارض العراق المعطاء، بل تقاسمها بدون حق الفاسدون المتحكمون في مفاصل الدولة، وما يزالون يتشبثون بمختلف الاساليب للاستحواذ على ما تبقى منها.
ان الواقع المعيش في بلادنا يشير، بدون لبس او ابهام، الى ان فقراء بلادنا تهددهم مجموعة من المخاطر، وفي مقدمتها المخاطر الصحية والبيئية، وتردي الخدمات الطبية لتراجع خدمات المستشفيات الحكومية، وعدم قدرتهم على مراجعة المستشفيات الاهلية لارتفاع اسعارها، والسكن في بيوت عائمة على مستنقعات من المياه الآسنة الثقيلة، وانعدام المياه الصالحة للشرب، وتعليم حكومي متدنٍ وقلة في المدارس يقابلها تعاظم المدارس الاهلية التي يعجز الفقراء عن تحمل أجورها في عملية تمييز تتعارض تماما مع الدستور العراقي الذي اكد على توفير الفرص المتكافئة لكافة العراقيين بدون تمييز. وفي اعتقادنا ان اية دراسة جادة تهدف الى التخفيف من الفقر ينبغي ان تضع في اعتبارها جملة من الخطوات أهمها تحديد معيار الفقر في العراق وحجم الفقراء ومدى معاناتهم من الفقر، وتحديد السمات الاساسية للفقراء من حيث التوزيع الجغرافي ومستوى التعليم والصحة والتغذية والسكن، وتحليل مخرجات السياسات والبرامج التي وضعتها الحكومة ووضع السياسات الفعالة على ضوء ما تقدم. ونرى من بين امور كثيرة مراعاة الاتي:
1.
اعتماد سياسات رشيدة على المستوى الكلي والقطاعي يتم من خلالها توجيه جزء من الموارد الوطنية نحو القطاعات التي يعمل فيها الفقراء، سواء في مشاريع صغيرة او متوسطة او كبيرة، عن طريق تأهيلها وتشغيلها من خلال اعتماد صناديق الاقراض والاستثمار، دون تعليق هذا التوجه على ما ستتصدق به الدول المانحة، التي لم يعرف بعد حجم تلك المنح مع وجود خراب كبير في البنى التحتية في مدن النزوح واوجه الاقتصاد الاخرى.
2.
اعتماد صناديق الاقراض والاستثمار وجعلها وسائل لمكافحة البطالة وتفعيل دورالقطاع الخاص بفوائد مخفضة بغية اقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة .
3.
تفعيل دور الصناديق المخصصة للقطاع الزراعي والمبادرة الزراعية، ومنها الصناديق المخصصة لإقراض تنمية الثروة الحيوانية واقراض المكننة الزراعية ووسائل الري الحديثة، وتنمية النخيل واقراض صغار الفلاحين والمزارعين والتنمية الزراعية للمشاريع الاستثمارية الكبرى .

عرض مقالات: