وأخيرا نطقت  المحكمة الاتحادية وقالت  كلمتها،  التي ستحترم في جميع الأحوال وبغض النظر عن مضمونها. فبعكس ذلك ستحل الفوضى، وهو ما لا يريده المخلصون على اختلاف مشاربهم ومنطلقاتهم ، رغم وجود من يريد الدفع في اتجاه الفوضى هذا،  تطبيقا للمقولة المشؤومة " علي وعلى اعدائي "، حيث الهاجس هو المصلحة الضيقة والنفعية القبيحة.

منذ اعلان نتائج الانتخابات من قبل المفوضية ولحد الْيَوْمَ، اتخذ الكثير من الإجراءات من قبل مجلس النواب ( جُلّ اعضائه الحاضرين في الجلسة الاستثنائية هم من الفاقدين لمقاعدهم  النيابية ) ، ومن قبل الحكومة بإجراءاتها التي تماهت فيها الحدود بين السلطات على حد قول الكثير من المتابعين ، ومن طرف القضاء ( يتوجب التذكير ان مجلس القضاء باشر تنفيذ التعديل الثالث لقانون الانتخابات حتى قبل ان تقول المحكمة الاتحادية كلمتها). وما من شك في ان هذه الإجراءات اختلط  ما هو قانوني فيها بما هو سياسي على نحو جليّ تماما.

لابأس، والآن وقد قالت المحكمة كلمتها .. ماذا بعد؟ هل انتهى الامر عند هذا الحد؟ هل يعاد الفرز والعد اليدوي، سواء في الصناديق المستهدفة المطعون فيها  أم في كل المحطات الـ ٥٢ الفا في جميع أنحاء العراق ؟

لا شك ان ما حصل، وبغض النظر عن النتائج النهائية التي لا يبدو انها ستتغير كثيرا، يؤشر العديد من الامور الخطرة الان وفي المستقبل، ومنها :

  • ان مجلس النواب رغم قرار المحكمة الاتحادية برد الطعن في التعديل الثالث لقانون الانتخابات الا في مادة واحدة ، قد اقدم على سابقة خطرة وادخل البلد في مأزق قانوني وسياسي، ستكون له اثاره المستقبلية مهما كانت النوايا. فلأول مرة في التاريخ ربما، يعدل مجلس نواب قانونا انتخابيا خسر بموجبه ما يقرب من ثلثي أعضائه مقاعدهم .
  • اشكالية تدخل السلطة التنفيذية في العديد من الإجراءات، التي كان يفترض ان تكون قبل الانتخابات وليس بعدها، خصوصا وان رئيس الوزراء هو احد المتنافسين ويترأس قائمة انتخابية. وقد سهلت تلك الإجراءات لمجلس النواب أو لمن حضر الجلسة  مهمته .
  • الارباك الحاصل ولّـد شكاً في صدقية الالتزام بمبدأ التداول السلمي للسلطة، وقبول نتائج الانتخابات وما تفرزه صناديقها .
  • ما حصل من ارباك، وبعضه مقصود وعن اصرار، ترك انطباعات عميقة لدى المواطن عن حجم تأثير الدولة العميقة والخارج ، وهو ما تجلى في هذا  الصراع الضاري على السلطة والتمسك بها  .
  • هناك خطأ كبير ارتكب عند إعمام ما حصل من حالات فساد وتزوير على كل مناطق البلد، فيما الطعون تركزت في غالبيتها على مناطق معينة، وكان يمكن معالجتها بموجب القوانين السارية التي شرعها مجلس النواب نفسه، وهو نفسه من هلل لتشكيله المفوضية رغم الاحتجاجات والمطالبات بان تتم على نحو مختلف . ومن المستغرب تماما هذا الحماس الراهن ضد التزوير، وهو الذي رافق كل الانتخابات السابقة، وكان وما زال مرفوضا في كل الأحوال ومهما صغر أو كبر.
  • ما حصل ليس بعيدا عن الصدمة التي أصيب بها البعض بنتيجة الانتخابات وما افرزته من ارهاصات تغيير ما زالت في بدايتها، ومن مساع لوأدها في مهدها . والصدمة هي أساسا بسبب الفوز الملحوظ لسائرون، وما احدثه من ارباك في صفوف المصرّين على مواصلة السير في ذات النهج السابق، ويتشبثون به وبما طرح من مقاربات  لتشكيل الحكومة الجديدة. 
  • هناك قلق كبير على حالة الأمن والاستقرار في البلد، خصوصا وان السلاح ما زال منتشرا على نحو واسع، وان شعار حصره بيد الدولة بقي شعارا مجردا.

ان ما حصل  حتى الان يشير الى ان مهمة التغيير والإصلاح تبقى مهمة وطنية ملحة غير قابلة للتأجيل، وتتطلب المزيد من التماسك والتكاتف بين القوى  الداعية لها،  والاصرار على إرادة التغيير التي يحملها المواطنون الذين صوتوا في الانتخابات. وحتى من قاطع منهم  ساهم موضوعيا في دعم هذا التوجه، عبر عدم انتخاب الفاسدين والفاشلين والمتمسكين بالمحاصصة . 

عرض مقالات: