ما زالت قضية نتائج انتخابات مجلس النواب ٢٠١٨ تتفاعل، ويتسع الجدل بشأنها خاصة بعد تمسك أعضاء في مجلس النواب لا يزيد عددهم عن النصف الا قليلا - وفق ما أعلنت الدائرة الإعلامية للمجلس – واصرارهم على عقد جلسات استثنائية متتالية. ونظرا لكون معظمهم ممن لم تُجدد عضويته في الانتخابات، فقد ثار كثير من الشك حول الدافع الحقيقي لهذا الاصرار، بغض النظر عما يقال وبصوت عالٍ، انه الحرص على الديمقراطية ، وعلى أصوات الناخبين ونزاهة الانتخابات .
ومما زاد الامر تعقيدا إقدام رئيس الوزراء على تشكيل لجنة للتحقق من الحصيلة الانتخابية، في اجراء قال العديد من المراقبين والقانونيين ان فيه تجاوزا على القانون وتداخلا في الصلاحيات، حيث ان للقضاء، خاصة المحكمة الاتحادية، صلاحياته في حسم الامر، وهي المخولة في نهاية المطاف بالمصادقة على النتائج . فالتقدير هو انه لا دخل للنزاهة وديوان الرقابة والأمن الوطني والمخابرات وغيرها من الأجهزة التنفيذية، في التعامل مع ما يثار من شكاوى وطعون، ومن تزوير صاحب الانتخابات، ولا يعد الامر من اختصاصها.
نعم، كان لهذه الأجهزة ولمجلس الوزراء مثلا، الحق في التدخل قبل اجراء الانتخابات للتوثق من صلاحية الأجهزة الالكترونية المستوردة، التي ابرم عقد شرائها من قبل المفوضية السابقة وليس الحالية التي شكلت، رغم كل المطالبات الشعبية والجماهيرية، على وفق المحاصصة. وهو ما سبق ان حذر من تداعياته الكثيرُ من الوطنيين المخلصين. لكن احدا لم يسمع صوتهم، ظنا من المتنفذين ان الطريق مفتوح امام عودتهم مجددا الى مجلس النواب، في قراءة خاطئة لمزاج المواطن وما يريده، سواء من انتخب أو من قاطع، وهو محتج أساسا على سوء الإدارة من جانب من بيده القرار، وفاقد للثقة به، في ظل تدهور اوضاع البلد الاقتصادية والمعيشية ، وبؤس الخدمات .
والغريب في الامر ان أعضاء في مجلس النواب الذي قام هو نفسه بتشكيل المفوضية الحالية، فجاءت سليلة له وصار هو من يتحمل كامل المسؤولية عن عدم ادائها مهامها على النحو المطلوب، هؤلاء النواب انفسهم يريدون الآن سحب الثقة منها، في حين تعلن هي تمسكها بالقانون! فهل المصالح هي من يتحكم؟ وأين ما أغدقه هؤلاء من وعود في حملاتهم الانتخابية بان يقفوا الى جانب المواطن ؟ بل وصار البعض منهم يتغنى بالتغيير ؟!
والأنكى الْيَوْمَ ان يجري تقسيم الكتل السياسية الى واحدة تقف مع المزورين، واُخرى حريصة كل الحرص على نزاهة الانتخابات. فهي الغاية والمرتجى كما تقول، وجُل أعضائها من الخاسرين في الانتخابات! وفِي هذا خلط عجيب للأوراق وتعمية على حقيقة ما يجري، فيما الفاسدون والمزورون معروفون وقد أدمنوا ذلك ، ليس في هذه الانتخابات حسب ، بل وفي ما سبقها أيضا .
والغريب المكشوف والمفضوح أيضا ان البعض الذي يحضر الجلسات الاستثنائية لمجلس النواب، يواصل التفاوض مع الكتل الفائزة لتشكيل الكتلة الأكبر، ويريد المشاركة في الحكومة القادمة، بل ويسأل عن حصصه ؟ فهل ان الغرض مما يثيره من ضجة صاخبة هو تحسين وضعه في القسمة القادمة ان حصلت ؟ ربما فات هذا البعض ان مقاربة تشكيل الحكومة كما يعلن عدد من الكتل الكبيرة الفائزة ومنها سائرون، لن تكون نسخة طبق الأصل من السياقات السابقة في تشكيل حكومات المحاصصة والطائفية السياسية .
نعم، لا احد يعطي صكا على بياض بشأن نزاهة الانتخابات، ويدعي ان الامور كانت" صاغ سليمة". فليس بالمستطاع استبعاد حصول اخطاء وثغرات ونواقص، لكنها تختلف في شدتها من منطقة الى اخرى. وهنا من الواجب التحديد وليس الإطلاق توخيا للدقة، ولحفظ حق الناخب ومن هو بعيد عن ممارسة كل الموبقات التي يشار لها الان ، فيما جرى السكوت المطبق عنها سالفا .
ونقول ان المنظومة التشريعية والتنفيذية والانتخابية، وتلك الكتل السياسية والشخصيات التي اعتادت على التزوير، مسؤولة بهذه الدرجة أو تلك عما حدث، ولا ذنب للمواطن في ما حصل وهو الذي اصر على الانتخاب ومنح الثقة لمن يعتقد انه سيقود البلد الى وضع أفضل، وسيجنبه المنزلقات الخطرة. وهل تكفي أزمة الكهرباء الراهنة لتذكير الفاسدين والفاشلين بما يعانيه المواطن، ولكي يدركوا سبب العقاب الذي انزله البعض بهم حين قرر عدم انتخابهم؟
من جديد .. نعم للاعتراض والشكوى وتقديم الطعون وفقا للسياقات القانونية المعروفة ، ولكن لا للفوضى ولاحراق الأخضر واليابس ووضع البلد في مهب الريح، من اجل اشباع الرغبة في الحصول على مقعد !.

عرض مقالات: