لكل بلد نظام معين يتبعه حسب توافقات مسبقة يفترض ان تتلاءم مع طبيعة مجتمعه والوضع السائد فيه. وبما ان نظام بلدنا برلماني، فسيكون موضوع نظام ادارة المحافظات متوقفا على مدى تلاؤمه مع الظرف القائم. فأما أن تتبع المحافظات النظام المركزي أو اللا مركزي. وبموجب النظام المركزي يتم اصدار التعليمات والاوامر الادارية والمالية من الجهة التنفيذية المركزية (الحكومة الاتحادية)، وبهذا يصبح على مجالس المحافظات تنفيذها دون اصدار اي تعليمات اخرى الا بموافقات اصولية من قبل السلطة التنفيذية، وعلى العكس من ذلك يكون النظام اللا مركزي، حيث تعطى الصلاحيات الادارية والمالية لمجالس المحافظات بما فيها اصدار الاوامر والتعليمات وتقديم الخدمات وتوزيع الموارد المالية حسب الاحتياجات الخاصة بكل محافظة. فمجلس المحافظة يتمثل في عدد من الاشخاص الذين يمثلون كل سكان المحافظة (مركز المحافظة، الاقضية، النواحي والقرى).

لكلا النظامين ميزات معينة، إلا ان افضلهما هو النظام اللا مركزي الذي بموجبه تستطيع مجالس المحافظات اتخاذ القرارات والتعليمات التي تراها مناسبة وصحيحة وتصب في مصلحة المحافظة وسكانها. وهنا ستمارس الديمقراطية بين الحكومة المركزية والكادر الاداري لكل محافظة.

في ما يخص العراق، فإن جودة عمل بعض مجالس المحافظات لا تعتبر مبررا لاتخاذ قرار نقل الصلاحيات المالية والادارية الكاملة لكل المحافظات. اذ يجب النظر بموضوعية إلى اداء جميع مجالس المحافظات، ولا يمكن تبني انظمة بلدان اخرى واتباعها، ذلك ان لكل بلد ظروفا خاصة به. وهذا يعني انه بالرغم من مزايا النظام اللامركزي، إلا انه لا يمكن اتباعه في بلدنا وفق الظروف الحالية، لانه يتطلب وجود عناصر مهنيه نزيهة كفوءة لا تشوبها حالات فساد مالي واداري، وقادرة على القيام بواجباتها بالشكل الامثل لتحقيق متطلبات الشعب الخدمية والاقتصادية. فلا يجوز توزيع الحقائب الادارية والمسؤوليات وكأنها حقائب سفر للترفيه والتنزه!

وعلى إثر الفساد الذي شاب عمل بعض مجالس المحافظات، قامت أحزاب عديدة بالتبرؤ من أتباعها الذين يشغلون مناصب إدارية في مجالس المحافظات، بسبب ارتكابهم الفساد. وتبرؤ الحزب من المسؤول يقدم دليلا على ارتكاب ذلك المسؤول جريمة الفساد المالي والإداري. لكن، هل يصح ان نكتفي بفصل المسؤول الفاسد من الحزب؟ وأين الحق العام، والمال العام الذي سرقه!؟

ان هذا الوضع قائم اليوم في ظل النظام المركزي، ومن دون نقل الصلاحيات بشكل كامل إلى مجالس المحافظات، ترى كيف ستكون عليه الأوضاع في حال نقل جميع الصلاحيات المالية والإدارية إلى تلك المجالس!؟

لمصلحة بلدنا نجد ان الوقت لم يحن بعد لنقل الصلاحيات الكاملة إلى مجالس المحافظات، وفي حال تم ذلك وفي هذه الظروف، سيبدو الأمر وكأن الجهات الحكومية المتنفذة تريد التنصل من مسؤولياتها المناطة بها.