منذ اللحظة الأولى لدخول الطالب إلى المدرسة وهو يُمنّي النفسَ بمستقبلٍ باهرٍ وشهادةٍ جامعيةٍ يستفيد منها في حياته!

ويرسم الطالب شخصيته على وفق الشهادة التي يتمناها ليصقل موهبته بالدربة والمران والقراءة ثم يعززها بالشهادة الجامعية!

وقد تأتي الرياح ذات يوم بما لا تشتهي السفن!

وقد تتحطم الأحلام عند صخرة صماء!

وقد يأخذه التيار بعيدا عن مبتغاه! وقد تصادفه ظروف صعبة تقلب وجهة حياته رأساً على عقب! وقد.. وقد..

لكن أن يدرس ويتعب صيفاً وشتاءً موصلاً الليل بالنهار، ثم يتخرّج حاملاً شهادته الجامعية التي حلم بها، مؤطرا اياها بفرحته وفرحة عائلته ليعلّقها في غرفة الاستقبال .. دون أدنى فائدة منها، فتلك هي الصدمة الكبرى لكل واحد منا ؟! وهذا ما حصل ويحصل الآن.

فمنذ اكثر من سبع عشرة سنة وأبناؤنا الطلبة يتخرّجون بالآلاف من الجامعات والمعاهد الحكومية والأهلية ، ولا تعيين أو عمل، ليصبحوا عالة على أهلهم .. والطامة الأكبر طبعا إذا كانوا متزوجين!

 شبابٌ بعمر الورود حالمون بمستقبلٍ كبير، لكنهم يصدمون بجلوسهم عاطلين عن العمل، يتسكعون على الأرصفة ويقتلون الوقت في المقاهي واللعب، دون أدنى فائدة لهم ولعوائلهم، لأنهم اصطدموا بعقبة كأداء هي توقف التعيينات الحكومية ومحسوبيتها ومنسوبيتها، ونادراً ما يحصل أحدهم على عملٍ في شركة أهلية. وحينما تظاهروا مطالبين بحقّهم المشروع سماوياُ وارضياً ومنطقياً ومهنياً وانسانياً، قوبلوا بالماء الحار والهراوات والضرب والاعتقال وحتى القتل، أيعقل هذا ؟

في كل دول العالم وضمن دساتيرها وخططها المالية سنوياً، نجد قوائم مُعدّة وأرقاما محسوبة مالياً وإدارياً وخدمياً للتعيين في دوائر الدولة ومؤسساتها التربوية والتعليمية، وفي الشركات الإنتاجية والخدمية، كُل حسب اختصاصه. بمعنى انه يتخرّج اليوم ويتعيّن غداً، لأنّه درس وتعلّم ليكون رجل المستقبل في بناء الوطن!

لهذا نجد إن جميع الأوطان تعتمد على أبنائها في تقدّمها وازدهارها، ولا تتركهم عرضة لأهواء الحاجة واليأس والقنوط والانتحار بسبب مجهولية المستقبل، وكأنهم لم يحلموا ذات يوم، ولم يدرسوا ويتعلّموا ويتعبوا في الحصول على الشهادة المعلّقة في غرفة الاستقبال!

على السادة المسؤولين ومَنْ يقود البلد ان يتوقفوا لحظة ويتأملوا الى اين سيصلون بالبلد؟  وحتما تقع المسؤولية الإنسانية في التفكير بمستقبل البلاد عليهم بالذات، من خلال التخطيط والعمل الجاد على تعيين هؤلاء الخرّيجين وأمثالهم، وتشجيع الآخرين على الجدِّ والاجتهاد للحصول على الشهادة، ومن ثم ليقدّموا خبراتهم علمياً وفكرياً وثقافياً ويضعوها في خدمة عجلة البناء والأعمار.