حين بدأت مفردات البطاقة التموينية بالتلاشي، بدأ خط الفقر والعوز بالصعود تدريجياً، ليصبح الناس فريقين لا ثالث لهما: أما غنىً فاحش، أو فقر مدقع، رغم الثروات الهائلة من النفط وغيرها، وصعود سعر البرميل في بعض السنوات إلى نسب خيالية، واعتماد موازنات انفجارية هائلة!
حدث ذلك بسبب تغلغل آلة الفساد وسوسته في كل مفاصل الحياة، وعدم الاهتمام الحقيقي ببناء الإنسان والوطن، فضاع الاثنان معاً!
الفساد والمحاصصة هما السبب الرئيسي في التدهور الاقتصادي أولاً، وفي خراب البلد ثانياً، وكل مَنْ يمسك بزمام الأمور لن يستطيع معالجتهما أبداً مهما كانت النوايا والتصريحات، حيث أصبحنا مستهلكين لكل شيء، وأسواقنا مفتوحة لكل ما تنتجه البلدان الأخرى، في الوقت الذي كان مفروضا بنا أن نبدأ خطّة جديدة في كل الميادين بعد سقوط النظام الفاشي مباشرة. لكننا تركنا كل شيء من الاعمار والبناء إلى إعادة الحياة لمصانعنا ومزارعنا وفتح قنوات جديدة في الزراعة والصناعة والسياحة. وبدلا من العمل على رفع المستوى الاقتصادي للفرد والمجتمع، رحنا نتخبط في أمور وخلافات وفساد وعدم توافق على أي شيء. وها نحن اليوم نقترض مبالغ هائلة لسد العجز المالي، وأول عجزنا هو راتب الموظفين والعاملين في الدولة، وهذه لها قصةٌ طويلة وغَصّةٌ كبيرة، حيث شرعنوا للفساد من خلال عدم المساس برواتب ومخصصات الرئاسات الثلاث والوزراء والنوّاب والوكلاء والمستشارين وسائر الدرجات الخاصة، وكأنهم من كوكب آخر والمواطن عليه أن يتحمّل كل التبعات، ليموت الناس من الجوع والمرض وسوء في كل شيء من خدمات إلى أزمات وما إلى ذلك!
وقفة تأملية لكل ما جرى ويجري من تدهور وخراب وأوبئة وأمراض، وقبل ذلك فساد لا مثيل له، ووضع الأسس الحقيقية والسليمة لتصحيح الأمور، والعمل بكل إخلاص وانتماء حقيقي، عندها سيعود البلد إلى قوّته وازدهاره وسينتعش السوق محليا وعالميا، وتدور عجلات مصانعنا كافّة، وتخضّر مزارعنا بما لذّ وطاب، ويملأ منتوجنا الأسواق ويعلو البناء ويعمّ الخير وترفرف السعادة على العيون!
البطاقة التموينية ومفرداتها من أساسيات استقرار معيشة المواطن، والراتب هو المنقذ للكثير من العوائل من العوز والفاقة. علينا أن نفكّر جيداً بإنقاذ الوطن والناس قبل أن ينهار كل شيء، وعندها لا منقذ لنا من الضياع، وسيلعننا التاريخ من الآن والى ما لا نهاية!