لم يكن لدي مزاج طيب في الاسابيع الماضية، وكنت أبدو ساهما وحزينا، هذا ما قاله ابو جليل، وهو يراني جالسا صامتا أكتفي بالاستماع الى الاخرين، وانا الذي عُرف عني ان صوتي عالي النبرة في مجالس الاصدقاء، بحيث ان زوجتي أحيانا تلجأ الى الاشارة لي بكفها لان اخفضه قليلا، حتى لا يسيء البعض فهمي، ويتصورني غاضبا كما حصل كذا مرة.
وليس في الامر سر، في أسباب تعكر المزاج، فقد رحل تباعا العديد من الاصدقاء الاعزاء، من الاسماء البهية والطيبة، بشكل متتابع، بحيث لم يجف حبر نعي أحدهم حتى يرحل الاخر تاركين في القلب غصة وفي الروح وجعا لا شفاء منه.
حاول صديقي الصدوق أبو سكينة، ان يخرجني من دائرة الحزن، فحاول ان يزجني في نقاشات سياسية، واذ لاحظ عدم حماسي انتقل الى الحديث عن ظروف الانتخابات وحملات المرشحين وما يرافق ذلك من محاولة الضحك على الناس وخداعهم لشراء ولائهم، باجراءات نالت السخرية اكثر من التأييد، وانتشر عنها الكثير من الطرائف سواء التي حصلت فعلا او اخترعها الناس. وطلب مني ان اقرأ له ما يرسله لي الاصدقاء عادة على البريد الخاص في الماسنجر من مفارقات وقفشات تخص الاوضاع في العراق عموما والانتخابات خاصة. فقرأت له عن ذلك المرشح الضرغام الذي زار احدى القرى ونادى على اهلها: "ما هي مشاكلكم؟" ، فاخبره اقرب الناس له ان لديهم مشكلتين، الاولى انهم ليس عندهم كاز للتراكتوات لتعمل . قال لهم النائب : "هذه حلها عندي بسيط ". واخرج تلفونه الموبايل وصاح بأعلى صوته :" انتم يا من تسمعوني، فورا.. فورا يجب ان تجلبوا تنكرين كاز للقرية الفلانية بدون تاخير . نعم ولن اتسامح معكم ". انتهى من كلامة، ووضع تلفونه في جيبه والتفت وسأل "" وما هي المشكلة الثانية؟ " ، فصاح اهل القرية بصوت واحد : " من شهور لا يوجد عندنا شبكة موبايل بالقرية ". ضحك الجميع ودمعت عيون ابو جليل من الضحك ، واكتفيت بالابتسام ، ولكني سرعان ما انضممت اليهم حين طلب مني ابو سكينة ان اسمعه المطربة فيروز حين لاحظ صورتها في احد رسائل الاصدقاء :"سمعنا ام زياد اذا ممكن ؟" وعلا صوت فيروز الساحر، يزرع السكينة والمحبة في الروح وكانت اغنية :
ـ تعا ولا تجي !
انتهت الاغنية ، والتفت لي ابو سكينة والحيرة في عينيه : من بعد اذن ام زياد ولا زغرا بيها .. تعال مفهومة .. لا تجي أيضا مفهومة .. بس مرة وحدة "تعال ولا تجي" ، هاي شلون تصير؟ هذا يمكن قانون سانت ليغو المعدل في الانتخابات البرلمانية العراقية؟