لأنها المدينة التي تمتلك أغنى ثروات الأرض ، لم تحصل على شيء أبدا !

ولأنها المدينة التي تغفو وتصحو على أصوات النوارس والسفن ، لم تحظَ بساعة هدوء وفرح أبداً !

ولأنها المدينة التي تحمل إرثاً من التأريخ والتراث والفكر ، لم يلتفت لها مسؤول أبداً  !

ولأنها .. ولأنها .. تساؤلات كانت تدور بخيال الشاب منتظر ، وهو جالس على رحلته في الصف متفكراً بما هم عليه الآن في هذا الصيف اللاهب ، والأجساد تستحمّ بمائها ولا كهرباء !

عطش أتى على الزرع والضرع بسبب الماء المالح ولا خدمات! شباب بعمر الورود ينتظرهم مستقبل مجهول وغامض لا يعرفون ماذا ستكون عليه حياتهم المقبلة!

خرج من المدرسة مع زملائه وأصدقائه رافعين لافتة يطالبون فيها بتحسين الخدمات لأبناء هذه المدينة العظيمة ، لكن الرصاصة الغادرة كانت له بالمرصاد . سقط منتظر فاشتعل الشارع في كل محافظات الوطن. حملوه على الأكتاف ، فالتهبت الشوارع. غصّت البصرة بكل فئات المجتمع وهي تطالب بالإصلاح في كل شيء، وعلى وفق (خير الناس من نفع الناس) طالبوا بتحسين وضع الكهرباء، وبتحلية الماء، وبنظافة القلوب والشوارع، وفتح أبواب التشغيل، وحل أزمات السكن والبطالة والفقر، فهي حقوق المواطن في كل مكان ! لم يكن منتظر الشهيد الأول، فقد سبقه شهداء في تظاهرات ومطالبات، دون إيجاد أدنى حل لها في مدينة تغفو على بحر من نفط وتلثم بحرا من ماء!

منذ 2011 والبصرة تغلي في الصيف بتظاهراتها المطالبة بالإصلاح وتحسين الخدمات ، مرورا بعام 2013 وحتى 2015 حين خرج الناس جميعا، وامتلأت الشوارع بهم وهم ينادون بالإصلاح، رغم حدوث أعمال حرق وتخريب لبعض مؤسسات الدولة وغيرها على أيدي مَن أراد حرف التظاهرات عن مطاليبها الحقيقية، إلاّ أنها بقيت سلمية !

وكانت تظاهرات 2018 التي قدّمت شهادتها بكل قوة وقرابينها وهي تطالب بالماء العذب لمدينة يلتقي عندها نهران عظيمان ويصافحها الشط ! وجاءت الانتفاضة التشرينية العظمى لتكللها بالزهو والعنفوان ، نزل الشباب، شباب من خيرة أبناء الوطن ورجال مستقبله، ومن جميع الفئات العمرية والطلابية والمهن ، نصبوا خيامهم وأشاعوا روح المحبة والتآلف والوئام في شارع لا يزيد طوله على كيلو متر واحد ، ليقولوا كلمتهم التي زلزلت عروشا وأطاحت برؤوس من البصرة كانت وستبقى تباشيرها دائما ، لأنها المدينة التي صارعت كل طغاة الأرض ولم تستكن لمستبد أبدا !

البصرة نجمة الانتفاضة وسارية بيرقها، الذي يحمل صورا لورود قطفتها أيادٍ آثمة!