عندما توضع أية حكومة جديدة تشكلت على أنقاض حكومة سابقة فاشلة أمام إستحقاقات سؤال الشعب عن مطالبه وإحتياجاته، يكون جوابها عادةً إستنساخا للتبرير ذاته، الذي طالما رددته حكومة المالكي وبعده حيدر العبادي ثم عادل عبد المهدي، وها هو يتكرر على لسان الكاظمي. التبرير الذي لا يعكس إستعدادا لتحمل المسؤولية، ومفاده (أننا لا نتحمل مسؤوليات فساد الحكومات وأخطاء الإدارات السابقة).
ما أن يسمع الناس هذا التبرير الذي أصبح لازمة مقيتة، رددتها ألسن رؤساء الوزارات المتعاقبة، وظل أتباعهم يلوكونها كالببغاوات دون تمكنهم من إقناع أحد بها، حتى يتبين لهم انه لا يحقق إلا اليأس عند الناس من قدرة المسؤول على قضاء حاجاتهم وتنفيذ مطالبهم.
التبرير الذي لم يعد يقنع أحداً ممن يعيشون أوضاعا غاية في الصعوبة، في ظل تدهور الخدمات وتراجعها طردياً مع طول فترة مكوث طغمة الحكم في السلطة. هذا التبرير الذي يراد به تبديد غضب الشعب، يزيد في الواقع السخط على نظام المحاصصة والفساد، المتسبب في التراجع وخلق الأزمات، والذي مكّن طغمة الحكم من مسك السلطة التي استغلتها ايما استغلال للكسب غير المشروع وإدارة صفقات الفساد، وعجزت تبعا لذلك عن تقديم منجز يذكر، وبات الفشل عنوان أدائها.
لا إستثناءات لصناع الفشل من غضب الشعب، جميعهم أتت بهم المحاصصة، وحركتهم على مقاساتها، وسيّرتهم وفق منهجها. لم يتبوأ أي منهم منصبا دون رضى طغمة الحكم وقبولها. ولم يمسك السلطة أي منهم وهو جاهل بجرائم الفساد التي إرتكبتها طغمة الفساد. ليس فيهم الغافل عما انتهت اليه الدولة من هوان، وليس بينهم من غابت عنه الأزمات بكل تفاصيلها.
لم يتوقع أحداً أن يكون في يد الحكومة مصباح علاء الدين السحري، بحيث تقول للشيء كن فيكون، وليس هناك من يتخيل أنها حكومة سوبرمان قادرة على تحقيق كل المطالب في لحظة واحدة. لكن الشعب ينتظر تحقيق خطوة مهما كانت صغيرة ومحدودة وبسيطة، لكنها حازمة في محاسبة الفاسدين الذين تسببوا في إفراغ خزينة الدولة، وألقوا الشعب بالتالي في لجة الحاجة والعوز.
هذه الحكومة ستكون أقرب الى إمتداد لحكومات الفشل السابقة، إذا لم تقدم بشجاعة على تنفيذ إجراء فرض الامن وحصر السلاح بيد الدولة ومحاكمة القتلة، وإذا لم تسعَ الى تنويع إقتصاد العراق، وتفتح طريقا واسعا من فرص العمل، وتعطي املا حقيقيا في توفر الخدمات، وتأمين العيش الكريم. وبهذا سيساندها الشعب ويلتف حولها داعما. وبعكس ذلك ستكون شريكة في فشل الحكومات السابقة.
وقطعا ستقف في مواجهة الشعب، إذا لم تعلن القطيعة التامة مع طغمة الفساد وتتخذ في ضوء ذلك سياسات تؤكد سيرها في طريق آخر، يفترق مع المحاصصة ويبتعد عن الفساد، ويواجه الفاسدين في معركة لا تؤجل، في مجابهة فاصلة لا مجاملة فيها ولا مهادنة ولا مساومة. وإلا فستجعل الحكومة من نفسها إمتدادا لما سبقها من حكومات الفشل، ومن إرث خرابها، ومتحفا له ولها.