تعكس حملات التسقيط السياسي والتراشق العلني بين المرشحين ولجوء الكثيرين منهم الى أساليب الرشى النقدية والعينية والوعود الكاذبة وهوسهم للظفر بمقعد في البرلمان، تعكس حاجة الفاسدين الى حصانة ما، و "شرعية" توفر لهم أنجع السبل وأضمنها لمواصلة نهب البلاد وتجويع وتجهيل العباد، لأربع سنوات أخرى عجاف.
وتبدو المخاطر جدية، في أن يتمكن هؤلاء الفاسدون من نهش مواقع السلطة والقرار مرة رابعة، مستعينين بما يملكون من قدرات مادية واعلامية، تغطي فشلهم وفسادهم بإثارة النعرات الطائفية والأثنية، وتمكنهم من تزوير نتائج هذه الانتخابات كما زوروا سابقاتها.
وفي الوقت الذي يأمل فيه المواطن رؤية دهاقنة ورموز هؤلاء الفاسدين أمام القضاء، حتى يدفعوا ثمن ما اقترفوه بحق الوطن والناس، نجده في حيرة وذهول وسخط وهو يرى، في خضم هذه الهرجة التي تملأ وسائل الاعلام وشوارع المدن العراقية صخبا، سلبية المفوضية العليا للانتخابات أمام مسؤوليتها في تفعيل الإجراءات القانونية ضد هذه الخروقات والتجاوزات، مثل مصادر التمويل المشبوهة والشعارات الطائفية والأساليب الملتوية والرخيصة والضحك على ذقون الناخبين وسيل التجاوزات على القوائم الأخرى المنافسة. ويشتد ذهول المواطن أمام سلبية الحكومة، التي تتحمل هي الأخرى جزءاً من المسؤولية، فقد سبق ان صرح السيد رئيس الوزراء، ان الفاسدين يتحملون مسؤولية جسيمة عما حل بالبلد من خراب، وإنه ـ حسب خطابه في 7/11/2017 ـ "سيتعامل مع الفاسدين كتعامله مع داعش وان أمام السارقين خيارين أما ان يسلموا أموالهم او يخسرون الاموال ويقبعون بالسجن ولن يشعروا بالأمن". واضاف ان "الفاسدين طالما حاولوا إشغالنا عن محاربة داعش بالتضليل والأكاذيب ولكن بقينا مصرين وهم فشلوا". كذلك في اشارته عند اجتماعه بالمجلس الأعلى لمكافحة الفساد يوم 11 نيسان الجاري إلى "أهمية متابعة كل القضايا المتعلقة بالفساد ورفع تقرير عنها والتركيز على جرائم الفساد الكبرى التي أدت إلى سرقة المال العام"، دون أن يحقق شيئاً من هذه الوعود، التي لم نسمع جعجعتها ولم نر طحينها؟!
إن أهم السبل لجذب الناخبين للإدلاء بأصواتهم والتغلب على يأس المواطنين وعزوفهم عن التصويت، تكمن في قدرة المفوضية على إقناعهم بإستقلاليتها وبنزاهة العملية الإنتخابية التي تقودها، عبر إستخدام صلاحياتها ضد كل من يخرق القوانين المنظمة للعملية الأنتخابية من جهة، وقدرة الحكومة على إثبات جديتها في محاربة الفساد من جهة أخرى. فمهمة محاربة الفساد بالجدية المطلوبة والفعّالية المنتجة، لا بد أن تبدأ أولا بفضح حيتانه الكبار القابعين في قمة السلطة، وشمول الملاحقة القضائية أيضا جميع المسيئين والمتلاعبين بالمال العام، بغض النظر عن مواقعهم الوظيفية ومسؤولياتهم السياسية والاجتماعية والدينية.
إن هذه الأيام التي تشهد صراعا محتدما بين الكتل والأحزاب المتنفذة، هي خير فرصة للبدء في محاربة آفة الفساد وصنوها و وجهها الآخر - المحاصصة الطائفية والقومية، ولقطع الطريق على المدانين بالفساد في لهاثهم للاستيلاء على مقاعد مجلس النواب ومن ثم الترشيح للمناصب العامة. هذا إذا صدقت الوعود. ودون ذلك ستعود "حليمة"، وستُضرب الأكف وتُعض الأصابع ندما، وكأنك "يا بو زيد ما غزيت".