لم تكن الفنون التشكيلية والقصائد الشعرية الخطابية في فترة حكم البعث بمعزل عن ثلاثة حقول: اقتصادية، اجتماعية، وثقافية، الأولى تمثلت بتركيز موارد البلاد بيد السلطة، الثانية اشاعة كارزمية قيادة الحزب الواحد، الثالثة الترحيب بمظاهر العنف والسيطرة ثقافيًا، هذه الأرضية فرضت على الثقافة أن تجسدها عمليًا إما من خلال الشعر أوصور القائد، فاللوحة الفنية كما القصيدة، شهدتا في بداية السبعينيات نهوضا فنيًا جماليًا، كان بامكانهما لو استمرتا بنهج الحداثة أن تفرزا أشكالا تعبيرية جديدة، مع بقائها أمينة لمصادرها وتوجهاتها الأسلوبية، من واقعية، وانطباعية، وتجريدية، وتعبيرية، ووحشية، ورومانسية، وطبيعية، مصحوبة، إلا أن الهيمنة الأيديولوجية على الثقافة لم تدع اللوحة ولا القصيدة أن تتطور بالاتجاهات التي بدأت في أوائل السبعينيات فظهور "مجلة الكلمة وبيان الشعر 69، وعدد من المجموعات الفنية"، كانت بالضد من نزعة الهيمنة التي تؤكدعلى ثقافة العنف والتدمير والعسكرة، فالحداثة لا تنسجم والنزعة القومية والعسكرية، الأمر الذي حدا بالفنانين والشعراء الى الإبتعاد عن هذه المفاهيم التي تؤكد سياقات نزعة الهيمنة العسكرية على المجتمعات، وما لجوء اللوحة إلى الطبيعة أوالواقعية أو الرومانسية أوالأسطورة ، إلا الهروب المبطن من الهيمنة الحزبية.
وما أن حلت حرب الثمانينيات، حتى بدت الهيمنة الحزبية تتضح كمشروع ثقافي إما من خلال توظيف اللوحة والقصيدة العمودية للمعركة. أو من خلال المسابقات والزمالات. ومع ذلك لم تفحص لوحة وقصيدة تلك المرحلة نقديا، لأن المعرض كان يتخفى وراء صورة كبيرة للقائد، تتقدم صالة المعرض أو المهرجان الثقافي. إن اهتمام الدولة بالفنون والشعر لصالح توظيفه، أكدت نزعة فنية أخرى تمثلت هذه المرة في آزياء القائد، فلتأكيد الفردية الكارزمية ، إلى جانب الخطابية التي تمجد القائد، اكتسبت التعبئة الثقافية للحرب مشروعية فنية، فعندما تكون أزياء القائد جزءا من التاريخ القومي للأمة، تكون القصيدة واللوحة البورتريت قد وظفتا لخطابية شوفينية، فثقافة "العنف والتدمير والعسكرة" هي الثقافة التي جيرت الدولة لها مالية عالية. إضافة إلى النزعة التسلطية الظاهرة في الحياة اليومية لمن يرتبط بسياقات المعركة، وخاصة وأن اللوحات البورتريت تعرض علانية في شوارع المدن. أن نرجسة القائد أظهرت اللوحة والقصيدة القائد وكأنه سليل لزعماء تاريخيين، وهو ما يؤكد في جانب آخر، أن المظاهر الفنية والثقافية تؤكدها وترعاها الهيمنة الاقتصادية، والمكانة الإجتماعية والثقافة المؤدلجة، كما لو أن اللوحة والقصيدة آلة لتصنيع ظاهرة الزعامة. فبإمكان الآلة الفنية "اللوحة والقصيدة" أن تؤدي نهضة اقتصادية ثقافية، مادام القائد يتمكن من الصرف عليها وتحظى بمباركته إعلاميًأ. عندئذ يصبح تصنيع واجهة ثقافية للعنف أمرا مبررا. وعندما نرى الظاهرة الفنية والأدبية بعين نقدية متفحصة، نجد أن المرحلة التي شهدت نهوضا اقتصاديا محدودا كانت تسير باتجاه تأكيد تسلط النزعة الفردية، وما مظاهر التصنيع العشوائي وطبع العملة النقدية، إلا تغطية بحيث تكون أزياء القائد هي الصورة الفيتشية التي تهيمن على شارع المدينة. في حين أن القاعدة المادية للبلاد تشهد تدميرًا منظمًا للقيم الاجتماعية والاخلاقية، خاصة بعد الهزائم الموضعية في الحرب. ومن يتتبع مسارات العلاقة بين اللوحة والقصيدة الدعائية، والمرحلة، يجد أن ثقافة أخرى أريد لها أن تكون بديلا للثقافة الوطنية، هي ثقافة "النقد الخاص" فقد ظهر صدام حسين في أحد المعارض ليقول: "اننا نريد فنًا لا يفسره لنا الآخرون"، وكان القصد هو التأكيد على رفض نقد الآخر الفني، فالنزعة الجمالية الكلاسيكية للعنف لاحتواء اللوحة كانت نزعة تسلطية، ليصبح القائد البديل لكل زعامات التاريخ القومي. وهذا ما نجده في رسوم قادة الدول الفاشية، هتلر وموسليني وغيرهم.