هو حزن مبكر لفاجعتنا برحيلك. لم يعد لدينا سوى أن نتلقى أخبار الفواجع ليرثي أحدنا الآخر. هي لعبة جديدة، دعنا نلهو بها يا صاحبي.
اذن رحل "مجيد"، رحل أستاذ العربية والشاعر والانسان. ها هي "القلة" يا "كاظم الحجاج" تفقد ورقة من زهرتها. ها نحن يا صاحبي قلة ناقص "مجيد الموسوي!
في ليلة عاصفة بالقصف الايراني الشديد، اقترح علينا صديقنا الراحل "محمد الرومي" أن نزورك ونسهر في بيتك، ذهبنا بسيارة العزيز "غسان حسين علي" الى البصرة القديمة. طرق غسان الباب فخرجت بالابتسامة المعهودة ذاتها ، قال لك غسان بفصحى "مكسرة": جئنا نزورك ونسهر معك وبصحبتنا "....".
رددت عليه مبتسما: "أين النديم؟ هاته".
وجدنا بيتك موحشا. واكتشفنا أن أسرتك "المهجرة" غادرت البصرة الى محافظة أخرى، وبقيت "وحدك ثم وحدك ثم وحدك".
انتبهت وحدي الى ما قلته لنا: "أختبئ تحت السُلَّم، وأقضي ساعات طويلة ليلا ونهارا، أرسم علامة لكل دوي انفجار". لم أصبر، ذهبت الى وكرك السري وشاهدت "شخابيط" لا تحصى، تشبه ما يصنعه لاعبو الدومينو أثناء دسوت لعبتهم. وهذا الحدث تسلل الى احدى رواياتي!
قضينا ليلة "ريماركيه" من ليالي للحب وقت وللموت وقت. ربما تشبه ليلة لشبونة صاحبي.
صاحبي الراحل
كنت أجمل أستاذ للعربية في تاريخ تعليمي الدراسي. كنت لا تتحدث الا بالفصحى. مقاعد الدرس في متوسطة أبي الأسود الدؤلي تشهد. لم تكن مدرسا تقليديا. كنت تفاجئنا بجلب أعداد من مجلة الأقلام وتخصص درسا أسبوعيا، توزع خلال تلك الحصص الأعداد الصادرة حديثا علينا، ثم تطالبنا بقراءة ما نشاء. وحين أخبرتك أنني متابع دؤوب للأقلام والطليعة الأدبية والراصد والفكر الجديد وطريق الشعب، ابتسمت، ونثرت على مسامع الطلاب اطراء لن ينسى، وأذكر أنه حين ذكرتُ صحيفتي طريق الشعب والفكر الجديد جحظت عيناك وابتسمت مرددا: "عال.. جدا عال" وضحكت وربت على كتفي مع دهشة لا تنسى.
كنتُ أدهشك بما أكتبه من مواضيع درس الانشاء، وكنت تتباهى بما أكتب في شُعب صفوف أخرى وتحثهم على القراءة والثقافة.
في احدى دورات المربد، اقترح علي صديقي مقداد مسعود أن يقدمني اليك بعد حفنة أعوام. قلت له مازحا: "أخشى أن يصاب بإحباط"! ربما سيكتشف أنه كبر وها هو أحد طلابه القدماء وقد خط الشيب رأسه. ضحك مقداد ولكن ما خشيته لم يحصل. استقبلتني بذات الابتسامة وطال لقاؤنا كثيرا في فندق العيون، وكان أجمل ما فيه هو ذات الاعجاب والدهشة وأنت تصغي لي بانتباه شديد.
تكررت لقاءاتنا بعدها، وفي ملتقى الرواية حرصتَ أن تطلب مني شهادتي الروائية بعد أن ألقيتها. لا أدري ما الذي كان يشغلك؟ قلت لي: "انت شعليك آني أريدهه".
"مجيد الموسوي" الصديق والأستاذ البصري الحبيب.
هذا رثاء مبكر
أعدك بحفلة رثاء قادمة
حفلات رثائنا لا تنتهي.
وداعا....