عملية الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الامريكية، تتطلب اولا وقبل كل شيء وحدة الموقف الوطني سياسياً واجتماعياً، لأنها قضية مفصلية ترتبط إرتباطاً وثيقاً بحاضر العراق ومستقبله، وجوهرها إستكمال السيادة الوطنية للدولة العراقية، المنتهكة جهارا نهاراً من الامريكان والايرانيين والاتراك وغيرهم. ولهذا يفترض أن يكون الحوار مدعاة للأجماع الوطني، وبعيداً عن المصالح الطائفية والقومية والحزبية الضيقة كما يحصل الان مع الاسف الشديد.
في مقال كتبه الصحفي الراحل "محمد حسنين هيكل" قبل ربع قرن تقريبا، وكانت الفضائيات قد ظهرت تواً ووظفت ضمن ما كان يعرف آنذاك بالإمبريالية الاعلامية، ذكر أنه كان حائراً في ما تفعله بعض الفضائيات، خاصة "الجزيرة" وشبيهاتها، وماهية المعايير التي تستند إليها في سياساتها الاعلامية؟ ويضيف أنه سأل كثيراً من الساسة والاعلاميين الأمريكيين أثناء زياراته المتكررة الى واشنطن، دون أن يحظى بجواب مقنع، لكنه إكتشف بعد سنوات، أنها "جزء من استراتيجية اعلامية جديدة تهدف الى تفتيت الرأي العام الداخلي والدولي، وإضعافه الى أبعد الحدود، وبالتالي إفشال أي إجماع حتى على القضايا الوطنية والمصيرية، والذي كان سائداً في تلك الفترة، وذلك من خلال طرح الرأي ونقيضه، لزرع التشويش والضبابية لدى المواطن. فما تقوله في الصباح تمحوه بعد الظهر، ليمحى ثانية في الليل، وبالضد منه تماماً، مع هامش واسع لشتم أمريكا والدول الرأسمالية الأخرى.
وقد نجحت هذه السياسة نجاحا مبهراً، وأصبحت سمة العديد من وسائل الاعلام على الصعيدين المحلي والعالمي، ولدينا في العراق طبخة إبتكرتها القوى المتنفذة، والفاسدة منها على وجه الخصوص، هي مزيج من النفاق السياسي الانف الذكر والمحاصصة، تطميناً لمصالحها الذاتية الغارقة في بئر الجشع والجهل والعفن الفكري، وتبعاً لمصالح دول أخرى لا تريد للعراق خيراً أو إزدهاراً!
رياح المحاصصة المسمومة، لم يسلم منها حتى الوفد العراقي المفاوض في هذا الحوار، ويطالب بعض ممثلي المكونات الثلاثة بأن تكون لهم حصصهم في تشكيلة الوفد! بل إن أحدهم صرح في أكثر من محفل، أن الحكومة إرتكبت خطيئة كبرى عندما لم تشرك مكونه وحزبه في الحوار، مما سيؤدي الى فشل الوفد وعدم قدرته على انجاز المهمة المكلف بها.
إن الانقسام السياسي والاجتماعي الحاصل الآن حول الحوار الاستراتيجي، والمفتعل جملة وتفصيلاً، سيؤثر سلباً على أداء الوفد، الذي يجب أن يركز أساساً على المصالح الجذرية للعراق، ويحفظ له سيادته الوطنية على أراضيه ومياهه وأجوائه، وعلى قراره الوطني المستقل، وكل مقدراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ورفضه المطلق لكل وجود أجنبي سواء كان جاراً أو بعيداً، ولا يكون ساحة لتصفية حسابات الطامعين فيه، أو لحروب بالوكالة، ودون التفريط بالدعم الدولي في التدريب والجهد الاستخباري والغطاء الجوي، وكل ما من شأنه القضاء على "داعش" وسائر الارهابيين، بالإضافة الى مجالات الدعم والمساعدة الاخرى.
إذا أردنا أن نحقق ما يصبو إليه شعبنا العراقي والمنتفضون البواسل، وكل من يعّز عليه العراق ويرفض مصيره البائس الذي أوصله إليه عديمو الكفاءة والضمير، فلا بد من دعم الوفد واسناده، وممارسة الرقابة عليه، لشل ميول المساومة إن وجدت لدى بعض اعضائه، ولا بأس في المطالبة بتعزيزه على اساس الكفاءة والخبرة والوطنية، وليس على أساس المحاصصة المخجلة التي يطالبون بها. كما ان على الحكومة أن لا تكتفي برعايتها ودعمها للوفد، وتوفير كل ما يحتاجه، بل عليها أيضا أن تمارس الشفافية والمصارحة مع الشعب أولا بأول حول ما يجري وما يتم التوصل إليه.
كل ثلاثاء.. هل وفرنا مستلزمات الحوار الاستراتيجي؟
- التفاصيل
- مرتضى عبد الحميد
- آعمدة طریق الشعب
- 3171