حين تستيقظ صبيحة العيد السادس والثمانين للحزب، ما الذي يمكن أن تستدعيه الذاكرة من رحلة عشق صوفي معه وله، تجاوزت نصف قرن من الزمان؟ اتستذكر لهفة البرعم وهو يتفتح على شمس من حنين، أم الوجع اللذيذ من ولادة برعم جديد، أم التتلمذ على حكمة رفاق أدمت دروب الكفاح أقدامهم المتعبة دون أن يستسلموا أو يتراجعوا، أم كبرياء الشهادة وهو يملأ الروح فخراً.

أتستذكر شموع الفرح وهي تذكي في الروح جذوة العناد أم أوراق الحزن الذابلة وهي تستعيد رونقها من شميم فتية لم تتسلل لصفاء سرائرهم أشواك الوهم. أتستذكر قسوة الوحشة في ليالي الغربة ام لذة صيانة ما خُبأ في الروح من أسرار عوالم الحزب المشرقة.

أتعيد قراءة دروس المعلم الأول التي طالما أعادت لنفسك التوازن كلما عاكست الرياح الأشرعة. دروس عن الترابط الجدلي بين الحرية والوطن والعدالة الاجتماعية، مما جعلك توقن بأن لا ضمان لحقوق الإنسان الا بخلاصه من كل ما يفقده آدميته. دروس شكلت صوت الدفاع عن آدمية المرأة وعن مساواتها التامة مع الرجل، وصوت الدفاع عن الثقافة الوطنية العراقية وتأمين تفتحها وانتشارها، ونبذ اي محاولة لتقييد الفكر والإبداع وتهميش المثقفين والمبدعين، وصوت الدفاع عن حقوق القوميات والمكونات المختلفة.

دروس صارت، على مدى عقود تسعة، فناراً لنضال الملايين من أبناء وطنك، من أجل حرية البلاد وسعادة إبنائها، من أجل المساواة وعدم التمييز، من أجل تحقيق تكافؤ الفرص وتمّكين الجميع من التعليم والرعاية الصحية والسكن والخدمات، من أجل الضمان الاجتماعي والتوزيع العادل للقيمة المضافة المتحققة في العملية الإنتاجية، من أجل المباشرة بتنمية مستدامة، تقنية تضمن التكنولوجيا المتلائمة مع الخصائص الوطنية، وبشرية تقضي على الجوع والمرض والجهل، ومن أجل ضمان حق الأجيال القادمة في الثروة الوطنية.

في صبيحة العيد السادس والثمانين، ها انت تشعر مجدداً بالفخر لأنك مازلت في ذات المسار العذب، لا توهماً أو إنتشاءً برحيق ماض تليد، بل يقينا بأن لا خلاص للعراق من الخراب والريبة والقلق والتشّظي، من غياب الهوية الوطنية الجامعة التي مزقتها الإستقطابات الطائفية والعرقية، من الفساد والنهب والسلاح المنفلت والبيروقراطية وغياب النظام العام وتدهور القيم ونشر مفاهيم القمع والعبودية وإستلاب العقل ومشاعر التعصب والجمود والعزلة، من التباين الطبقي والجوع وغياب الخدمات الأساسية، حداً أوصل أكثر من خمس السكان الى دون خط الفقر، لا خلاص من كل هذا سوى بتبني مشروع البديل الديمقراطي الذي يتبناه حزبك، الحزب الشيوعي العراقي، المشروع الذي سيعيد للهوية الوطنية ألقها، ويمهد ساحة للحوار الوطني البناء ويحقق السلم الأهلي الشامل ويضمن إحتكار الدولة لأدوات العنف، ويقيم الدولة المدنية الديمقراطية في العراق، ويشرك كل المكونات العراقية في إدارتها، ويحقق الخطوات الأساسية على طريق الديمقراطية السياسية الحقيقية والعدالة الاجتماعية وتحقيق توزيع أكثر إنصافاً ليس للثروة فحسب بل وأيضا لبرامج التنمية والخدمات وللنتاج المعرفي والإبداعي ومعالجة الإختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني وتحريره من التبعية، ويضمن المساواة بين الجنسين ويرفع الحيف عن النساء ويدمجهن في النشاط العام للمجتمع، ويضمن للشباب الحق في التعليم والتمتع بالخيرات المادية لبلادهم وإشراكهم في رسم وتحقيق مستقبلهم، وفي الوصول للمنجزات العلمية المتقدمة وفي المساهمة في إدارة البلاد، اضافة لإستثمار خيرات العراق في تقديم الخدمات الاساسية للناس وضمان حياة كريمة وسعيدة لهم.

سلاماً أيها الحزب في عيدك، فستبقى سنديانتك باسقة أبدا.

عرض مقالات: