لم تكن الأسباب التي دعت المتنفذين الى عدم تمرير رئيس الوزراء المكلف السيد محمد علاوي، نفس الأسباب التي جعلت المنتفضين يرفضونه. فهؤلاء يبررون رفضهم بكونهم يريدون رئيس وزراء مستقلا وغير جدلي، يشكل حكومة وطنية من كفاءات مستقلة بعيدا عن المحاصصة وهيمنة طغمة الحكم، وعلى ألا يكون الوزراء ممن تبوؤوا مناصب تنفيذية او تشريعية منذ التغيير عام ٢٠٠٣ حتى آخر حكومة، وهي حكومة السيد عادل عبد المهدي. بينما تكمن أسباب القوى المتنفذة لرفضها المرشح المكلف في عدم إستجابته اولا لإملاءاتهم، وحين راعى مصالحهم خلال جولاته التفاوضية في اليومين الأخيرين، جاءت عروضه كما يبدو غير ملبية نهمهم الى مواقع السلطة.
ثم ان المهام التي حددها المنتفضون للحكومة المؤقتة، والتي تتلخص في تعيين موعد لإجراء انتخابات مبكرة، ومحاسبة قتلة المتظاهرين، وفتح ملفات الفساد، هي غير مهام المتنفذين الذين لا مصلحة لهم في التحقيق بقتل المتظاهرين وارهابهم، ولا بمحاربة الفساد او الاقتراب من أي ملف فساد كبير!
يبدو ان الازمة التي كثيرا ما تم تشخيص أسبابها، واهمها الازمة البنيوية التي لا يمكن تجاوزها الا بتغيير بنيوي يطول القاعدة الأساسية للبناء، ويؤمّن اعتماد أسس المواطنة ومعالجات أخرى، بضمنها ملف العدالة الاجتماعية بصورته الكلية.
هذه الازمة ذات النتائج الكارثية على حاضر البلد ومستقبله، لا يمكن الخروج منها عبر الطريق الذي سارت عليه العملية السياسية، ونعني نهج المحاصصة المقيت، واعتبار موارد الدولة هبات للمتنفذين والوزرات غنائم لطغمة الحكم.
واستنادا الى مواقف المتنفذين المعروفة، التي تنطلق من مصالحهم الشخصية والفئوية والحزبية، لا يمكن تصور تمرير مرشح عبر تصويت طبيعي في البرلمان، دون ان يلبي مصالح طغمة الحكم المتنفذة ويستجيب لشروطها ويذعن لها، إلا في حالة شعورها بالضعف امام قوة الانتفاضة وجبروتها، وقدرة ضغطها على البرلمان لتمرير الكابينة التي تستجيب لمطالب المنتفضين ومعاييرهم وبرنامجهم.
هذه الحكومة التي يجب ان تكون مؤقتة ذات مهمات استثنائية، لا تستثمر في السياسة، أي لا تشترك في أي انتخابات قادمة، ولا يسهم أي من أعضائها في أي حكومة مقبلة، وهي تتمتع بصلاحيات تشريعية يمنحها لها مجلس النواب، الذي يجب ان يسارع الى حل نفسه بعد التصويت على الحكومة ومنحها الصلاحيات المحددة المذكورة، التي تمكنها من تشريع قانون انتخابي منصف، وتغيير المنظومة الانتخابية في اتجاه تحقيق التمثيل العادل والشفافية والنزاهة، عبر تشريعات أساسية تخص الانتخابات والإدارة التي تتيح بناء سجل انتخابي رصين، والقادرة على تنظيم عملية انتخابية نزيهة وشفافة، وصارمة في ابعاد كل المزورين الذين سبق ان زيفوا إرادة الناخبين وتلاعبوا برأي الشعب ومقدراته، وان تكون مهنية في تحديد سقف الصرف للدعاية الانتخابية.
فالمطلوب حكومة مؤقتة بمهمات استثنائية، قوية في مواجهة القتلة والفاسدين وقادرة على إحالتهم الى القضاء ومحاكمتهم، بما يمنعهم من خوض الانتخابات، ويبعدهم عن أداء أي دور سياسي جديد، وبما يحد من التدخل الخارجي من أية جهة كانت، وايّا كان حجمها او دورها على الصعيدين الدولي والإقليمي. ففي هذه الحالة يتلمس وطننا الانفراج ويسلك طريق التغيير المنشود. حيث لا ريب في فشل نظام المحاصصة المنتج للفساد والعاجز عن إيجاد مخرج من الأزمات، ولا شك في عجزه عن تحقيق الامن والاستقرار في العراق.
فلا مناص من تأمين بديل له، يعيد بناء النظام السياسي على وفق مبدأ المواطنة. وهذا ممكن بالطبع وليس مستحيلا، عبر إصطفاف جديد للقوى، وتصعيد للحراك الاحتجاجي وارتقاء متجدد لزخم الانتفاضة في ساحاتها كافة.