هم في حيرة من أمرهم. مرّة يتغاضون، ومرّة يتباكون. يتغاضون عن مقاربة الحقيقة والتحدث عن مئات القتلى وآلاف المعاقين والجرحى ومن يقف وراء الجريمة، ويتباكون على غلق المدارس، وقطع الطرقات، ناسين أو متناسين أنَّهم وراء ما حصل ويحصل، وقد آن الأوان لدفع فواتير حساباتهم، والعدالة تنتظرهم بفارغ صبرها.
هم تناسوا أو يتناسون عن قصد وعمد، ما حلّ بشعبنا من ضيم وعسف وخذلان، وعليهم أن يتحاشوا القفز على الحقيقة، والهروب إلى الأمام. فالشعب عازم على إعادتهم إلى رشدهم، ولا بدَّ أن تدور عليهم الدوائر. وعليهم أن يعوا، أنّ المنتفضين ليسوا شذاذ آفاق، ولا هم خارجون على القانون، ولا ينفذون اجندات خارجية، وانهم يتحركون وفق ما كفله الدستور لهم. والمنتفضون هم في الأعم فتية لم يتجاوزوا العشرين ، وأغلب هذه الفئة العمرية وخاصة ابناء المحافظات لم يروا بغداد، ولا ساحة التحرير، ولم يروا البتة بناية قنصلية أو سفارة ما، لكن ما ينبغي معرفته، أنَّ هؤلاء الفتية ضاقت بهم السبل، وأصبح المعادل الموضوعي عندهم بين الحياة والموت معادلا صفريا.
هم يتشبثون بالسلطة، ويمتلكون القوة الغاشمة، وأدوات الموت، والرعب، والترهيب. وينسون الأساليب القمعية التي مارسها النظام البائد، القابع الآن في مزبلة التاريخ. كم نتمنى أن تروا أبعد من أرنبة أنوفكم قليلا. هل نسيتم الأساليب الغاشمة التي مورست ضد القوى الوطنية، وضدكم؟ والآن وأنتم تتحكمون بصناعة القرار تماطلون، وتسوفون، وتفترون. الغد ينتظركم فاغرا شدقه.
هم يعولون، ويمنون أنفسهم بلعل وعسى أن يدبّ الملل، ويجد التعب طريقه إلى المنتفضين، متناسين أنّ التجربة الانتخابية أثبتت بما لا يقبل الجدل، أنّ القوة المفرطة والمماطلة لا ولم تأتِ أُكلها، وإنما صلبت من عود المنتفضين، وعمقت من وعيهم، وأكسبتهم القوة والمرونة، وحسن التعاطي مع المتغيرات، والتفاعل اليقظ مع المستجدات بدراية تنم عن معرفة بحيثيات ما يدور.
هم لا يتنازلون عن منافعهم الشخصية، أمام المصلحة العامة، فهم جبلوا على تكريس هذا الجانب، ويسوقونه بصيغ تؤبد الواقع وتكرّسه. وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية، وسط صيحات الاصلاح، تكالبا محموما، قلَّ نظيره، في دوائر الدولة، بالرغم من تعطل الدوام الرسمي في أغلب دوائر الدولة، ووصل الأمر إلى المناصب الدنيا، مثل مناصب رؤساء الاقسام، ورؤساء الشعب، فما بالك في المناصب العليا؟ ووسط الاستعصاء السياسي، يهاجم السيد رئيس الوزراء المستقيل من يغلقون الطرق، لكنه لا يتجرأ على الحديث عن القتلى الذين قاربت أعدادهم السبعمائة، أو المعاقين والجرحى الذين تجاوزت أعدادهم العشرين ألفاً ، فما عساهم فاعلون؟ بعد أن تحملوا هذا القدر من التضحيات الجسيمة والمعاناة النفسية، هل يعودون إلى بيوتهم؟
لقد آن الأوان ان تعودوا أنتم إلى بيوتكم، وتعوا الناس يعيشون بالكيفية التي يرونها مناسبة، في وطن يكفل لهم الأمن والعدالة والمساواة.