المعروف ان الموازنة السنوية في اي بلد هي عبارة عن بيان شامل بأموال الحكومة من نفقات وايرادات وما ينتج عنها من فائض اوعجز وتعكس السياسات الاقتصادية التي تطبقها خلال عام ضمن خطة مالية تمكنها من اتخاذ القرارات المتعلقة بتفعيل مجمل تلك السياسات في اطار انظمة حسابية ، ادارية وقانونية . ولكن الموازنات العراقية خلال الفترة الماضية جاءت محملة بالعديد من الاشكاليات .
فأول هذه الاشكاليات اعتماد هذه الموازنات على الريع النفط كمصدر تمويل اساسي لا يقل في احسن الاحوال عن 90 في المائة وبالتالي فان تحقيق اهداف الموازنة في الغالب كانت عاجزة عن تحقيق اهدافها لعدة اسباب وفي مقدمتها ان النفط سلعة تتحدد اسعارها بعوامل خارجية واية ازمة في سوق النفط تنعكس مباشرة على فاعلية الموازنة وارتباك السياسات المرسومة لها .
والاشكالية الاخرى تتجلى في غموض تفاصيل الموازنات السنوية وغياب الشفافية امام الراي العام الامر الذي يخالف النصوص التشريعية الواردة في قانون الادارة المالية والدين العام رقم 95 لسنة 2004 المتعلقة بالمعلومات المتاحة للدخول الآني من قبل اي شخص من عوام الناس في مختلف الوسائل الاعلامية المتاحة بما فيه الاعلام الحكومي من اجل اشراك الاقتصاديين والمهتمين بالشأن الاقتصادي لتقييم اهدافها في مختلف المجالات .
والملاحظ وهذا ما يجري في كل عام ارتكاب العديد من المخالفات الدستورية المتكررة ومنها المادة 62 من الدستور التي الزمت تقديم الحسابات الختامية للسنة السابقة والتي تتضمن كشف موازنة الارباح والخسائر والسيولة النقدية وبيانات تغطية الحسابات الختامية ومن بينها كمبيالات المحاسبة والايرادات والنفقات والمستحقات لاسيما القروض والالتزامات والمستحقات الطارئة والتي يجري اعدادها وفقا للمعايير الدولية .فضلا عن تعديل متكرر للتشريعات الناظمة لدورات الموازنات العامة من حيث الاعداد والاقرار والتنفيذ والرقابة .وبالتالي يصار الى التمويه على عمليات الفساد .
والاشكالية الاخرى التي ظلت متلازمة مع كافة الموازنات السنوية السابقة متمثلة في قلة الاهتمام بالموازنة الاستثمارية وهذ يدلل على عدم اكتراث الحكومات المتعاقبة بعملية التنمية الاقتصادية فلم تبلغ هذه الموازنة في احسن حالاتها 40 في المائة من اجمالي التخصيصات وتوجيه معظم النفقات للأغراض التشغيلية وتحول المجتمع طيلة هذه الفترة نحو الاستهلاك فضلا عن توفير بيئة مناسبة لتغول الفساد في كافة مفاصل الدولة الذي اصبح قرينا للاقتصاد الريعي .وهذا من شانه تبديد لموارد الاجيال القادمة .
ومن المؤاخذات الاخرى على الموازنات السنوية اتباع اسلوب موازنة البنود في اعدادها مما انعكس على اتساع حجم النفقات العامة وزيادتها من سنة الى اخرى لاسيما في الجانب التشغيلي مما ابعد تلك الموازنات عن المفهوم الطبيعي للموازنة بكونها تعبير عن البرنامج الذي تسعى اليه اية سلطة تتمتع بالإرادة والجدية في تحويل الموازنة الى اداة للتنمية والتقدم الاجتماعي .
بناء على ما تقدم فان صناع موازنة 2020 مدعوون الى اعادة النظر في الفلسفة التي سارت عليها الموازنات السابقة من خلال اعادة النظر في طبيعة الاهداف الاقتصادية والاجتماعية وآليات التنفيذ ونقترح في هذا الشأن التركيز على الجوانب التالية :
1. التأكيد على الجانب الاستثماري في هذه الموازنة من خلال انشاء صندوق سيادي للإعمار باقتطاع جزء من الموارد النفطية لهذا الغرض والاستفادة من العلاقات مع دول العالم وتنويعها لصالح عمليات الاعمار.
2. قيام الحكومة بتنشيط عملية تصنيع الكثير من السلع التي كانت تستوردها من الخارج بالعملة الصعبة سواء المتعلقة بأنواع محددة من الاسلحة والسيارات والصناعات الدوائية دعك من المنتجات الزراعية والحيوانية في سبيل توجيه النفقات الاستثمارية الى القطاعات التي فشلت الحكومات السابقة في تحريكها .
3. تنويع مصادر تمويل الموازنات السنوية والكف عن الاعتماد الكلي على العوائد النفطية فعلى سبيل المثال ان هناك أحد عشر نوعا من الضرائب التي إذا ما تم ضبط ايقاعها والاجتهاد الرشيد في تنظيم اوعيتها فستشكل دخلا مهما في الايرادات وربما ستسهم في تحقيق فوائض في الموازنات حتى لو تعرضت اسعار البترول الى الهبوط.

عرض مقالات: