يمثل الجهاز المصرفي في العراق، كما ينظر اليه الاقتصاديون، أحد الاذرع المهمة لتشكل عملية تنمية اقتصادية مستدامة من خلال سياسة ائتمانية فاعلة تمهد لبيئة استثمارية واعدة العراق اليوم بامس الحاجة اليها خصوصا وان عدد المصارف الموجودة تربو على أكثر من 90 مصرفا بين حكومي وخاص وأجنبي وشركات تحويل بإشراف ورقابة البنك المركزي العراقي. فهل حقق هذا الكم الهائل وظيفته في تنشيط عملية الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي؟
الملاحظ للمتابع انه بالرغم من الاجراءات المتخذة بعد عام 2003 بهدف اصلاح عمل الجهاز المصرفي عبر توسيع نطاق الائتمان من خلال توسيع نطاق مؤسساته المتمثلة بتكاثر عدد المصارف الاهلية والاجنبية انطلاقا من فرضية ان التوسع في المؤسسات المصرفية سوف يؤدي في التحليل النهائي الى زيادة الائتمان المصرفي ويحقق توزيعا افضل للإقراض بين القطاعات الاقتصادية الا ان هذه الوظيفة قد تعثرت واخذت منحى اخر تمظهرت بالتوجه الى اساليب المضاربة في السوق وغسيل الاموال عبر نافذة البنك المركزي باعتراف المسؤولين والاخطر في سياق هذا التوسع هو التوجه نحو قطاع الاستهلاك عبر توسيع عمليات الاستيراد والوقوع في فخ سياسة الاغراق .
ومن الظواهر الخطيرة في سوق المال في الفترة الاخيرة ظهور مكاتب تقوم بعمليات اقراض للمواطنين عبر اجراءات أسهل من البنوك الحكومية والاهلية وخاصة في الضمانات التي يقدمها المقترض ولكن مقابل فوائد عالية تصل الى 33 في المائة وهي اقرب الى الربا وتعمل هذه المكاتب خارج نطاق القطاع المصرفي وبدون التقيد بقانون او نظام وبطريقة التقسيط اليومي مما يؤدي الى اغراء المقترضين بدون حساب للمحاذير القانونية التي نصت علها المادة 456 من قانون العقوبات العراقي عند ظهور مشاكل بين طرفي الاقتراض التي تعتبر ان التعامل بهذه الطرق بدون ترخيص تدخل في ابواب الاحتيال وما يترتب عن ذلك من الانفلات في حركة النقد في السوق والفوضى الاقتصادية التي ينتجها .
والحقيقة ان ما يدفع المواطنين الى اللجوء الى هذا النوع من الاقتراض دون الذهاب الى المصارف المجازة هو روتين تلك المصارف بالإضافة الى انتشار الشركات التي تتعاطى بالتقسيط ومنها شركات بيع السيارات التي لم تضع في حسابها التضخم المفرط في الكم الهائل من عدد السيارات التي لم تعد تستوعبها الطرق المتوافرة والمتهالكة وكذلك شركات اقامة مشاريع الوحدات السكنية وهذه الشركات غالبا، وحسب ما تتطلبه مصالحها ، ما تطالب البنك المركزي والمصارف الأخرى بإلغاء شرط الكفيل من موظفي الدولة ولكن في مقابل زيادة نسبة الفوائد .
ان البنك المركزي بحكم وظيفته في تنشيط عملية التنمية الاقتصادية مطالب بمراجعة تطبيقات السياسة النقدية باتجاه ضبط ايقاع حركة الكتلة النقدية في السوق بعيدا عن الفوضى واستغلال بعض ضعاف النفوس لحاجات المواطنين الملحة ومنعا لإلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني من خلال جملة من الاجراءات ونقترح من بينها ما يلي:
1.
اتخاذ اجراءات اضافية لتطوير عمل القطاع المالي من خلال زيادة الائتمان المصرفي ومنها على سبيل المثال الاندماج المصرفي بين المصارف الخاصة والالزام بتطييق التعليمات والاستراتيجيات التي يصدرها البنك المركزي لتحقيق الاهداف المرسومة للقطاع المصرفي.
2.
توجيه الاقتراض سواء من قبل المصارف الحكومية او الاهلية نحو قطاع الاستثمار وفق خطة واضحة متوائمة مع الخطط المركزية الاستراتيجية لتحسين عملية التنمية الاقتصادية وفي هذا المجال ندعو البنك المركزي الى تفعيل مشروعه الاقراضي السابق بشأن تهيئة 6 تريليونات دينار لإقراضها لقطاعات الصناعة والزراعة والاسكان وهو مشروع استراتيجي لو جرى تنفيذه لأحدث طفرة نوعية في الاقتصاد العراقي.
3.
قيام البنك المركزي بتشديد الرقابة على حركة الاموال في السوق العراقية ومنع عمليات التلاعب عبر المضاربات المالية والتخفيف من نسبة الفوائد المفروضة على المقترضين وخصوصا موظفي الدولة والمتقاعدين والتشديد على مراقبة المكاتب غير المجازة التي تقوم بممارسات الربا على المقترضين ووضع التشريعات والتعليمات التي تمنع هذه الممارسات واحالة المخالفين الى القضاء.

عرض مقالات: