في هذه الأيام التي تتجدد فيها الروح الوطنية وتكبر محبتنا ويسمو انتماؤنا للوطن ، من خلال ثورة الشباب الذين أججوا كل نيران التواصل والتضامن الحقيقي بين الناس ، ونثروا ورود انتمائهم دماءً في الساحات وعلى الجسور لتنبض الوطنية في كل قلب ، بعدما خرّبتها الطائفية والمحاصصة والفئوية والمصالح الضيقة. ونظراً لكون المنتوج الوطني هو الأصلح والأنفع والأفضل ، علينا دعمه وتشجيعه وإعادة الحياة لشركاتنا ومصانعنا ومزارعنا وتجارتنا ، كي يزهو ويقوى اقتصادنا الوطني. أعيد ما كتبته قبل أربع سنوات مؤكداً على كل كلمةٍ وحرف ، مستذكراً صناعتنا وما علق في الذاكرة من صور جميلة لمنتوجاتنا !
عندما كنت صغيراً كنتُ أطلب من أبي أن يعطيني (باكيت) سجائره بعد أن يفرغ لأرسم عليه، أقصد (باكيت سجائر جمهوري) إنتاج شركة الدخّان العراقية. كما كنت أشتري بمصروفي اليومي ( كبّة وبطل ببسي أو سينالكو) إنتاج شركة المشروبات الغازية ــ بصرة ــ المعروفة باسم معمل سينالكو أو ببسي. و مازلت أسمع الركاب في ( الفورتات) ينادون على السائق: معمل ببسي أو سينالكو نازل .
وفي السبعينات تذوّقت طعم ( تراوبي عنب، صودا ، مشن ،شربت نادر ) ،، و من ( تنكة ) دهن الراعي كنتُ أصنع زورقاً صغيراً وألعب مع أصحابي في سواقي البساتين المجاورة لبيتنا ، وأظل أراقب ابن عمي فَرِحاً وهو يدخّن سجائر ( سومر ، بغداد ، أريدو)، وحين تغسل أمي ثيابنا بمسحوق الغسيل ( سومر) تفوح منها رائحة زكية ، وفي الصيف حين يجلب خالي البطيخ والرقي من ( المعامر ، البحار، السيبة) ــ يا لطعمه لم يفارقني للآن ــ يجتمع الأهل ليلا في بيته يشاهدون الفلم العربي عبر تلفزيون ( القيثارة ) و هم يتلذذون بطعم بطيخ الديرة،، وحين نجحت من المتوسطة بتقدير عالٍ أهداني أبي دراجة ( بغداد) ففرحت كثيراً ، أوصاني وأنا أركبها في الشارع أن أبتعد عن ( لوريات سكانيا عراق) وباصات ( ريم ) كي لا يحدث لي ما لا تحمد عقباه ويأخذوني للطبيب ليكتب لي أدوية من معمل سامراء ( كيماديا عراق ) !.
وكم مرّة غطّتني أمي وإخوتي ببطانيات ( فتّاح باشا )؟!.
هذه الليلة لسعني البرد فتذكرت مدفأة ( علاء الدين ) وتلك الأيام وما كانت تنتجه صناعة وطنية خالصة وتحسرت كثيراً لأنني أبصر اليوم استيرادنا المتزايد لكل شيء حتى مياه الشرب والخضروات. و الضحكة صارت نادرة جداً هذه الأيام ، حيث نزيف دمنا يملأ الشوارع والساحات بحثاً عن وطن !
في مدينتي أكثر من سبع شركات صناعية عملاقة متوقفة عن العمل ، ومعمل الببسي تحول إلى عمارة تضم شققاً ودكاكين ، كما احتلّت محطّة تعبئة وقود مكان معمل السينالكو، وتحولت معامل كبس التمور إلى مخازن للأخشاب والحديد المستورد !
إذا كنّا جادّين بإعادة الحياة لمنتوجاتنا الوطنية ، علينا أن نبدأ بتأهيل وصيانة شركاتنا ومصانعنا ، ووضع خطّة جدّية ومدروسة للإنتاج وكيفية دعمه وتسويقه. كما يجب علينا أن نضع حداً للاستيراد المتنوّع من إبرة الخياطة إلى الطائرة والقطار ، وننظّم طريقة الاستيراد حسب احتياجات السوق وعدم توفر المنتوج المحلي ، مع فرض رسوم وضرائب كمركية عليه. كذلك الإيعاز وبشكل لا يقبل التسويف والمماطلة إلى جميع مؤسسات الدولة أن تتعامل مع المنتوج العراقي شراءً واعتماداً في كل احتياجاتها.
بهذا الحراك المخلص والحثيث سنعيد لمنتوجاتنا الوطنية ازدهارها وسندعم الاقتصاد الوطني حقاً وفعلاً..