لا شك ان ظاهرة البطالة بتعريفاتها كافة قد اتسع نطاقها في عموم المجتمع العراقي وخاصة في اوساط الشباب مع مشاكل كثيرة ذاقوا مرارتها وهي كانت الشرارة الاولى التي فجرت الانتفاضة الشبابية وسرى لهيبها الى مختلف المحافظات العراقية بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة الا ان السلطة في كل مرة تكتفي بتصريحات وبرامج سرعان ما تختفي من دون ان تعير الاهتمام بآراء الاقتصاديين والدراسات الاكاديمية الجادة في معالجة هذه الظاهرة.
ان احتكار الثروة والدخل بيد نخبة من الفاسدين ادى الى حرمان بقية شرائح المجتمع من حقها في العمل ونيل نصيبها المشروع من الدخل، وفي نفس الوقت ادى الى ضياع الشباب في دوامة البطالة وخصوصا الخريجين وتحويلهم الى طاقة متراكمة قابلة للتفجر في اية لحظة وهذا ما حدث.
وبطبيعة الحال فالبطالة لم تكن متخيلة ولكنها حقيقة ضاغطة على الارض فإحصائيات وزارة التخطيط العراقية رغم محاولة التهوين من حجم العاطلين فإنها اشارت الى ان نسبة البطالة للفئات العمرية بين 15 و19 عاما تبلغ 23 في المائة بارتفاع 74 في المائة عن المعدل الوطني 18 في المائة للذكور و56 في المائة للإناث فيما كانت نسبة مشاركة الشباب في القوى العاملة 36 في المائة، شكل الشباب الذكور منهم نسبة 62 في المائة مقابل 9 في المائة للشابات، بينما قدر صندوق النقد الدولي في ايار عام 2018 نسبة البطالة بين الشباب 40 في المائة وهي النسبة الاكثر دقة اخذا بالاعتبار العدد الكبير من الخريجين من الجامعات الحكومية والاهلية التي تكاثرت في السنين الاخيرة عدا عن خريجي المراحل التعليمية الاخرى .
والحقيقة ان الحكومات المتعاقبة التي سمحت بكل هذا التوسع غير المخطط في المؤسسات التعليمية من دون دراسة العلاقة العضوية بين الخريجين وسوق العمل ولم تدرك ان قطاعات الانتاج الحكومي والخاص غير مهيئة لاستيعاب هذه الاعداد الهائلة فضلا عن ان معدل النمو السكاني في العراق يصل بين 3—4 في المائة في حين يصل المعدل العالمي بين 1— 1،8 في المائة. ان هناك نتائج عديدة تترتب على هذه الظاهرة المدمرة يمكن اجمالها بما يلي:
1. اخراج نسبة من الطاقات البشرية عن دائرة الانتاج وهو تبديد لمصادر الثروة وتآكل في قيم راس المال البشري. فضلا عن زيادة نسبة الفقر المدقع وزيادة نسبتهم من اجمالي السكان وانخفاض مستوى الرفاهية حيث توجد علاقة عكسية بين مستوى الرفاهية والبطالة.
2. ان ارتفاع مستوى البطالة ينجم عنها خسائر في الناتج المحلي الاجمالي فحسب منظمة العمل العربية فان 1 في المائة من البطالة يسفر عن خسارة نسبتها 2،5 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي اي حوالي 23 مليار دينار عراقي.
3. تعاظم نسبة الرسوب في المدارس في جميع المراحل الدراسية مما يترتب عليه خسارة كبيرة في نفقات الدولة المخصصة للتعليم .
4. تفكك الاسر وسلبية العلاقة مع الدولة التي تتحمل المسؤولية الاولى في تفاقم هذه الظاهرة .
لهذا كله فالدولة مطالبة بدراسة ظاهرة البطالة والعوامل الملازمة لها ومعالجة تداعياتها عبر استراتيجية تقوم على اسس جذرية، جوهرها ربط عملية التنمية بالعملية التعليمية بمختلف مراحلها من خلال :
• وضع الخطط الكفيلة بتوظيف الموارد البترولية في قطاعات الانتاج السلعي عبر تحويل هذه الايرادات واستثمارها في المشاريع التنموية في تلك القطاعات.
• العمل الجاد على اعادة تشغيل المشاريع الحكومية الصناعية والزراعية وتوسيع خطوط انتاجها لاستيعاب المزيد من قوة العمل وتمكين القطاع الخاص عبر تقديم التسهيلات الائتمانية وتنشيط الجهاز المصرفي في عملية التنمية الاقتصادية والتخفيف من القيود القانونية والضريبية في المراحل الاولية في عملية الاستثمار الداخلي والخارجي .
• اعادة النظر بالمناهج التعليمية وربطها بعملية التنمية الاقتصادية المستدامة وايلاء اهتمام خاص بالتعليم المهني الذي يعد مصنعا للمهارات التشغيلية التي تغطي القطاعات الاقتصادية المختلفة وتفعيل دور وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في مجال تدريب العاطلين على مختلف المهن ليكونوا جاهزين لمختلف المشاريع الاقتصادية.

عرض مقالات: