اذا اخذنا بعين الاعتبار حديث الناطق باسم رئيس الوزراء الذي بين فيه ان احداث الشغب في ميناء ام قصر قد سببت خلال اربعة ايام خسارة اقتصادية مقدارها ستة مليارات دولار ويبدو انه استند في هذه المعلومة الخطرة الى رئيس الحكومة الناطق باسمه فاذا كان الامر كذلك فذلك يعني ان مجموع ايرادات هذا الميناء لوحده 540 مليار دولار سنويا فكم حجم الايرادات الكلي من المنافذ الحدودية الاخرى والمصادر المالية بقضها وقضيضها فلماذا اذاً الاعتماد الكلي على ايرادات النفط بل والاهم من كل ذلك لماذا بلغت نسبة السكان تحت خط الفقر 35 في المائة؟ ولماذا اللجوء الى الاقتراض الخارجي الذي سجل ارقاما قياسية باهظة.
فالقروض الخارجية، وهي الاشكالية الكبرى التي تواجه الادارة الاقتصادية بعد جولات تخفيض الديون وخاصة نادي باريس التي بلغت مائة مليار دولار، قد تحولت الى عبء ثقيل على الموازنات السنوية حيث تعظم من الانفاق العام وتزيد من معدلات الكلف الاجتماعية واثارها السلبية على حياة العراقيين. فتشير الارقام الى ان حجم الديون الخارجية بلغ 133 مليار دولار في عام 2018 حسب تصريحات اللجنة المالية البرلمانية ما اضطرها الى الغاء الديون المخطط لها الواردة في موازنة 2019 والبالغة 6 تريليونات دينار عراقي ( 5 مليار دولار ) وان عدد القروض واجبة الدفع ضمن الموازنة المذكورة 23 قرضا والديون واجبة الدفع مع كلفها في هذه الموازنة 12 مليار دولار . وهي تشكل 9 في المائة من اجمالي النفقات المقدرة في الموازنة نفسها. ومن الجدير بالإشارة الى ان معدلات الاقتراض في بلادنا تشكل 150 في المائة من الانتاج المحلي الاجمالي حسب تقديرات صندوق النقد الدولي ما يترتب على تسديد اقساطها مع الكلف التوقف عن الاستثمار وبالتالي الانكماش الاقتصادي.
ان معالجة العجز الكبير المخمن في موازنة 2020 وتردي قطاع الاستثمار حسب التقديرات الحكومية لا يتم الا باللجوء الى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودول اخرى ولكن هاتين المؤسستين العالميتين أهمها، لإبرام صفقات القروض ولكن من غير المتوقع انها ستأخذ طريقها للاستثمار في القطاعات الاقتصادية الحقيقية وانما لسد العجز وبالتالي تعظيم الانفاق التشغيلي.
واستنادا الى كل ما تقدم فان نتيجة هذه السياسة الخاطئة الاستسلامية تتمثل في الوقوع في فخ المديونية ومن ثم في فخ البطالة التي تقدر بـ 40 في المائة وحسب استنتاج صندوق النقد الدولي فان البطالة والنمو الاقتصادي المتباطئ هما اللذان يحركان الاحتجاجات ضد الفساد والتدهور الاقتصادي علما ان معدل النمو في العراق يصل الى 0،1في المائة فهل سيأخذ المعنيون درسا من هذه الاستنتاجات؟
مما تقدم يمكن القول ان الحفاظ على استقلالية القرار الاقتصادي يتوقف إضافة الى تعرض الارادة السياسية والحكومية والتي للأسف كانت وما تزال غائبة، اتخاذ منظومة إجراءات شاملة تخص الاقتصاد نذكر من بينها ما يلي:
1. السعي الحثيث من دون تردد من اجل تقليص الانفاق الحكومي من خلال الغاء كل ما هو غير ضروري في مختلف اوجه الصرف في الموازنات السنوية وبالخصوص الامتيازات غير المبررة وخاصة في المراكز العليا في الدولة والحد من استخدامها من قبل القوى المتنفذة التي حولتها مع الوقت الى التسلح بأدوات قمع للجماهير المطالبة بحقوقها.
2. اصلاح الوضع المالي عبر الاستخدام الرشيد للموارد المالية والبشرية وتعبئتها في مجالات الاستثمار مع ما يقترن بها من توفير فرص عمل للعمالة العاطلة عبر تأهيل المصانع المتوقفة عن سبق اصرار لغرض بيعها بأبخس الاثمان في عمليات غسيل الاموال لحيتان الفساد.
3. تمكين القطاع الخاص من ان يلعب دوره في الحياة الاقتصادية ودعمها بعيدا عن المضاربة في قطاع المال الذي غالبا ما يلجأ اليه كبار التجار والجهاز المصرفي بكل عناوينه فضلا عن تخفيض معدلات الاقتراض الى اقصى الحدود بما تشكل اقل من 50 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي وتوجيهها حصرا الى قطاع الاستثمار.

عرض مقالات: