دقت ساعة " ساحة التحرير" توك توك، توك توك" تتسارع عقاربها وتتسابق فيما بينهما للفوز بنقل أحد المصابين، تخترق وتناور لتكون الفائزة الأولى وبجدارة عند نقل أحد الجرحى من ساحة الانتفاضة. لكنها منتظمة في سيرها واصطفافها. لا مخالفة، ولا كسر لقواعد سير المنتفضين، تواصل دون كلل او ملل من صاحبها، بل هو يثابر ويجاهد ليكون السباق بالحصول على وسام الشهادة.

انها ايقونة الانتفاضة كما يسميها البعض، لكن الاسم الذي حملته التوكتك وبتميز هو مركبة "اسعاف الفقراء" حيث تقل جرحى الانتفاضة كما كتب على اللوحات التي تصدرت زجاجها الامامي، كذلك تقل الوافدين والخارجين من ساحة التحرير واليها، والمتعارف انها غدت مجانا بدون اجر اعتباراً من اول يوم انطلاق الانتفاضة.

"امي هل توافقين ان اقلك مع اطفالك للساحة، بالمجان" بادرتُ لركوب المركبة مع اطفالي وشكرته. الا انه تململ من شكري قائلا "لا تشكريني، لست بأقل من أي واحد من هؤلاء، بل اخجل حين اقل جريح ومصاب وانا لست مثله، أحس بنفسي صغيرا امام تضحيته، جئت من اجل التغيير لكن حتى التغيير اجده امام شهامة وغيرة العراقيين الشيء القليل".

وبعنفوان استرسل قائلاً "أنتم الأمهات معاني التضحية والوفاء ومنكم عرفنا حب الوطن، انا اشكرك يا أمي لانك علمتني معنى آخر للصمود وقد جئت مع اولادك الصغار الى ساحة الانتفاضة، الم تخافي عليهم، بل اين تركت خوفك لتجلبيهم معك. في كل يوم ادهش مما اصادف من مواقف ومبادرات الناس المنتفضين، فهي تعطيني " وقوداً " مثل وقود توكتكي هذا، وحماساً كي اواصل يوميا بلا تردد لاجل الناس الطيبة كلهم".

صراحة اعتراني خجل وفرح غامر بان يكون سائق التوكتك البسيط على هذا القدر الكبير من الحس الوطني والذي لم يتعلمه في المدارس قطعا، ولا من خلال ايثار "الحكومة الفاسدة" بل من احتجاجه في ساحة التحرير (مدرسة الابطال وبارومتر الوطنية). اجبته كي يتعلموا منكم كل هذا وهو ليس بقليل، حب الوطن يأتي مع التضحيات وبذل النفيس من اجله.

نعم أنتم سواق ايقونة التحرير وكل المنتفضين في سوح الاحتجاج وفي مختلف المحافظات العراقية المنتفضة، اصبحتم عناوين وعلامات عالمية للبطولة والتضحية. منكم نتعلم البطولة، واجد ان لاعيب في تعلم اولادي منكم، لقد قلبتم قوانين الطبيعة وسطرتم بصمودكم وتفانيكم من اجل تغيير البلد، أحلى وأغلى معاني حب الوطن، حبا معمدا بالدم والدمع، فطوبى لبلد انتم أولاده وابناؤه.

عرض مقالات: