قبل 39 ، حينما بدأت الحرب العراقية الإيرانية ، واشتدّ القصف على مدينة الفاو ، نزح أهلها هرباً من القذائف والموت صوب مركز البصرة وأقضيتها الشمالية والغربية، والى النجف وكربلاء. سكنوا المدارس والجوامع والبعض مع أقاربهم ، واستأجر البعض الآخر ، فصارت البيوت تضم اربع وخمس عوائل سوية ، وامتلأت العمارات التي لم يكتمل بناؤها ، وما إلى ذلك.
منذ تلك اللحظة أصبح الفاويون من النازحين الأبديين ، جُرّفت أراضيهم وبيوتهم لتكون سواتر وملاجئ ، وتحولت المدينة إلى خراب بعد احتلالها من قبل القوات الإيرانية ثم تحريرها من قبل القوات العراقية ، ولم تعد مثلما كانت أبداً ، رغم الحملات الإعلامية والدعائية التي كان يقوم بها النظام المقبور بحجة إعادة البناء والأعمار ، كون اغلبها حملات فاشلة لا تتعدى الدعاية الإعلامية.
البعض منهم عادوا إلى ديارهم وأعادوا بناء بيوتهم ، و حاولوا حرث وزرع أرضهم ، لكن ملوحة الماء حالت دون نجاح ذلك بشكل كامل.
الفاو قبل الحرب كانت مزدانة بالخضرة والماء ، حيث النخيل والأعناب والفواكه. وعندما تذهب صوب مركز البصرة تمر بسوابيط العنب وتحفّ بك غابات النخيل وتبصر الخضرة وانسياب الماء في السواقي. لكنها بعد الحرب أصبحت خرائب وارضاً مجروفة ونخيلاً محترقاً برؤوس مقطوعة وماء مالح!
في عام 2006 صدر أمر ديواني تحت الرقم (46 ) والعدد ( م ر ن / 48 / 1373 ) في ( 9 / 8 / 2006 ) يتلخص بتشكيل لجنة تقوم بتنفيذ المادة ( 140 ) من الدستور، والتي تقضي بتعويض الأسر التي هجّرت ورحلت من محافظة إلى أخرى أو من العراق إلى الخارج في زمن النظام المقبور ، بقطعة ارض ومبلغ ( 10 ) ملايين دينار.
هذه المادة تنطبق دستوريا وقانونيا على أهل الفاو مثلما تنطبق على جميع المهجرين والمرحلين في عموم الوطن.
قام الكثير من أهل الفاو بمراجعة اللجنة وإكمال المعاملات المطلوبة وتقديمها واستلام وصولات تؤكد ذلك حسب وجبات ومراحل.
ظهرت بعض الأسماء في البداية العمل ، ثم بدأ التلكؤ شيئا فشيئا واستمر حتى توقفت اللجنة عن العمل دون معرفة الأسباب. فظلّ الناس يصفقون كفا بكف ، على أمل عودتها وتعويضهم عن بعض ما خسروه ، رغم أن الخسارة كبيرة جدا ( بيوت ، مزارع ، أثاث ، ذكريات طفولة وصبا وشباب وكهولة ) ومدينة مسحت من خارطة الكون ولم تعد مثلما كانت.
الآن تجري حملة رفع التجاوزات التي أطلقها السيد محافظ البصرة والإعلان عن تعويض المتجاوزين بقطع أراضٍ ومبالغ لبناء بيوت بدل ما تجاوزوا عليه ، أو بناء أحياء سكنية للفقراء منهم ــ وهذا حق ، لا مكرمة أو منّة من أحد ، لأن السكن اللائق والعيش الرغيد حق لكل مواطن تكفله كل دساتير الكون ـــ ، لكن للمسؤولين في قراراتهم شؤوناً دائما !
أقول الآن يجب أن يعمل السادة المسؤولون على تفعيل تلك اللجنة لتستأنف عملها في تنفيذ المادة 140 وتعويض النازحين قسرا ، وإعطائهم حقوقهم التي ظلت طي الأدراج، وبات الكثير منهم بين الإيجارات والمدارس وغيرها ، ولم يتجاوزوا على ارض أو ساحة ما.
ان تعويضهم بعد تفعيل هذه اللجنة على وفق المادة (140) أسوة بإخوتهم أبناء شمال القلب هو إعادة للثقة اليهم بأنهم في وطن يمنحهم بعض حقوقهم الدستورية..