الزبير.. تلك المدينة الغافية عند تخوم الصحراء، والتي بنيت في القرن الهجري الأول امتداداً للبصرة الأولى وسوقها المربد لتكون حلقة وصلٍ بين مدن الجزيرة العربية والبصرة و مدن العراق الجنوبية والوسطى، سمّاها القاص محمد خضير ( الزبير عين الجمل ) حينما تحدّث عنها في كتابه ( بصرياثا ). سكنها النجديون ( النيادة ) وآل رشيد وغيرهم، قريبا منها جامع البصرة الكبير ــ جامع خطوة الإمام علي (ع) حاليا ــ وفيها دفن الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ومالك بن انس ورابعة العدوية وغيرهم. من أسواقها المربد الذي صار الآن منطقة سكنية انقسمت إلى المربد القديم والمربد الجديد،وتحيطها شمالا غابات الأثل التي كانت محطات استراحة وترفيه وسفرات واجتماعات أيام الستينات والسبعينات قبل اشتعال حرب الثمانينات ــ بوّابة الخراب الأولى. من نواحيها أم قصر وسفوان والشعيبة بوابتا البحر والصحراء، ومنها برز شعراء وأدباء وفنانون ورياضيون وإعلاميون وأكاديميون تركوا بصماتهم على صفحات الثقافة والرياضة العراقية. مزارعها تنتج الطماطة والخضروات، حيث تستسقي من الآبار والأمطار!
لم نبرح فصل الشتاء بعد وهذه المدينة تشكو العطش نتيجة انقطاع ماء الإسالة عنها. وقبل أيام تظاهر الزبيريون مطالبين بإنقاذهم من الظمأ،فكيف إذا حلّ الصيف بشمسه اللاهبة وحرارته التي تتعدى الستين درجة مئوية ؟!
ليست الزبير وحدها تشكو انقطاع الماء، بل اغلب مناطق البصرة. إضافة الى رائحته العفنة ولونه الأخضر الداكن في بعض الأماكن، ما يؤكد امتزاجه بمياه المجاري نتيجة تكسّر الأنابيب العابرة للأنهار، التي صارت الآن مصباً للمياه الثقيلة والآسنة !
أهالي منطقة القبلة تظاهروا أيضا، وتظاهر غيرهم، والكل يشكو من سوء الخدمات وتحديداً انقطاع الماء وتلوّثه!
وفوق كل هذا وذاك تنتشر النفايات والقمامة في جميع شوارع وأزقّة وأسواق البصرة وتتكدس حتى صارت تلالاً تقطع السير وتزكم رائحتها الأنوف، ما أدى إلى انتشار الذباب والبعوض في كل مكان، وقبل أيام هبّت عاصفة قوية قلبت المخفي وأظهرت عيوبنا وسوء خدماتنا للعيان!
الانتخابات باتت قريبة جداً، ومَنْ يريد أن يثبت نزاهته وإخلاصه وانتماءه الحقيقي للوطن والناس، عليه أن يكون أول الساعين الى تحسين الخدمات وإرواء ظمأ المدن وأهلها، كما علينا أن نكون على قدر المسؤولية والعهد الذي قطعناه على أنفسنا وتجاه ضمائرنا أولا، لا أن نتركها في صندوق ونقفل عليها ونرميه في البحر ونشيح بوجوهنا عن الناس ومطا ليبهم!
الوطن لم ولن يُبنى بالشعارات والخطب النارية وتسقيط الآخرين ومحاربتهم والتي كشفت زيفها أول هبّة ريح، بل بالعمل الحقيقي والضمير الحي النابض بحب العراق والولاء لأهله وتربته ومائه وهوائه، لأن الفساد والأنانية واللصوصية والطائفية خرّبت، بل دمّرت كل شيء !