تعتبر العدالة الاجتماعية والتي هي المصطلح الاعم لعدالة التوزيع من الموضوعات الاكثر اشكالية واهتماما لدى معظم الحكومات بغض النظر عن الاختلاف في نظمها الاقتصادية الاجتماعية وفكرها الاقتصادي لتحقيق اكبر قدر ممكن من العدالة في توزيع الدخل بين الطبقات الاجتماعية. والعراق من الدول التي تعاني تفاوتا كبيرا في توزيع الدخل بين سكانه بسبب شكل نظامه السياسي القائم على اساس الهوية المكوناتية التي تحولت الى محاصصة طائفية اثنية امعنت في ظلمها وفقر عدالتها وما خلفته من اثار سلبية على كافة الفعاليات الاجتماعية.
ومن المعروف في النظرية الاقتصادية ان التفاوت في نصيب كل طبقة يعود الى جملة من العوامل لعل أبرزها الانتفاع من فرص العمل وشكل الملكية السائد وتفاعلاتها مع اليات السوق وسياسة الحكومات الاقتصادية فضلا عن النظام الضريبي المطبق في البلد المعني والاعانات والخدمات العامة.
لكن من الواضح ان توزيع الدخل في العراق يعاني معوقات سياسية واقتصادية واجتماعية وسكانية بالرغم من وجود وفرة في عوامل الانتاج المولدة للثروة والدخل ويقف في مقدمتها البترول الذي يتمتع باحتياطي حجمه 153 مليار برميل واراض شاسعة صالحة للزراعة ووفرة مائية تحتاج الى تنظيم وادارة رشيدة، لكن هذه العوامل تصاحبها زيادة سكانية كبيرة ينتج عنها نسبة عالية من البطالة بسبب تراجع عملية التنمية الاقتصادية ارتباطا بدلالات التخلف التنظيمي للاقتصاد وضآلة تحصيلات ضريبة الدخل التي قد لا تزيد عن اثنين في المائة من الناتج المحلي الاجمالي .وتعذر نشر تقديرات منتظمة عن التشغيل والبطالة لتداخل مفهوم البطالة مع العمل في الانشطة الفردية والهامشية والعمالة اليومية .
وبالنظر لارتباط العدالة التوزيعية بتوليد الدخل وتوزيعه الاولى بقطاع الزراعة والصناعة التحويلية ودورهما في الناتج المحلي الاجمالي الذي هو عبارة عن قيمة الانتاج من السلع والخدمات النهائية المتحققة خلال السنة باستثناء النفط حيث لم تزد مساهمة الزراعة والصناعة التحويلية في هذا الانتاج عن 13 في المائة فان العمل في اجهزة الدولة صار مصدرا رئيسا للدخل الاسري الى جانب البناء والتشييد والنقل والتجارة الداخلية والخدمات غير الحكومية.
وبالنظر لتعاظم نسب الفقر فقد لجأت الدولة الى التحويلات الاجتماعية لحل اشكالية الفقر وان بشكل ترقيعي ولكن الدولة في هذا الاسلوب لا تميز بين الامنين غذائيا عن غيرهم قي البطاقة التموينية لهذا اصيبت بفقر الدم فاقتصرت على مواد لا تسمن ولا تغني من جوع فما تزال توزع بين الجميع بغض النظر عن حجم المداخيل. ومن جهة اخرى فان الرواتب الممنوحة لموظفي الدولة متفاوتة بشكل صارخ بين المستويات الدنيا والعليا، الا ان جل هذه الرواتب قليلة جدا ولا تتناسب مع نسبة التضخم ومستوى الاسعار. لهذه الاسباب مجتمعة فان المستوى المعيشي لعموم الشرائح الاجتماعية يتعارض مع مبدا العدالة في توزيع الدخل.
ان هذه الاشكالية بأسبابها ومسبباتها تفرض على الحكومة بوصفها المسؤولة عن رسم السياسة الاقتصادية بكل مسمياتها الانتاجية والمالية والنقدية والتوزيعية، تعديل مناهجها الاقتصادية وخططها التنموية باستهداف تحقيق العدالة في توزيع الدخل وتضييق الفوارق الاجتماعية ونقترح بهذا الخصوص:
1. ضرورة قيام الدولة بكل اجهزتها بتحقيق امكانية الانتقال نحو اقتصاد منظم وتقنيات حديثة وتنظيم وحدات النشاط المهيمن على الجزء الاكبر من الاقتصاد بين كبير ومتوسط وتوجيه عمليات الدخل والتشغيل بما من شأنه تسهيل فاعلية السياسات الاقتصادية وتنشيطها نحو تحقيق اهدافها.
2. اعادة النظر في نظام الخدمة والتقاعد وسلم الرواتب في الجهاز الحكومي والتعجيل في تشريع قانون الخدمية المدنية الموحد بما يقلص التفاوت في رواتب موظفي الدولة وتنظيم القوة التوظيفية بين القطاعين العام والخاص.
3. اصلاح نظام التحويلات الاجتماعية من قبل وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة التجارة بحيث تقوم الاولى بتوسيع قاعدة التحويلات الاجتماعية وان تقوم الثانية بإعادة النظر بمحتويات البطاقة التموينية وتحسين مفرداتها وشمول المستحقين وفق معايير الدخول.

عرض مقالات: