في المنعطفات السياسية الكبرى يحتدم الصراع بين أحزاب وقوى متعارضة، بل متناقضة في الرؤية والسلوك، فيلجأ الظلاميون والفائزون بـ "ميدالية" اللصوصية والنهب المنظم إلى أساليب غاية في الدونية، والدونية سداها ولحمتها التضليل وتزييف الحقائق، سواء في ما يتفوهون به، أو ما يمارسونه إزاء الطرف الآخر الملتزم بالسلوك العقلاني، وبالحفاظ على البعد الأخلاقي في الممارسة السياسية.
في بلدتنا الصغيرة، وأبّان هجوم البعث وأجهزته القمعية على حزبنا أواخر السبعينات من القرن الماضي، بهدف تصفيته وإخراجه من الساحة السياسية، ليخلو لهم الجو في تدجين الشعب العراقي، وتحويله الى قطيع لا حول له ولا قوة، سلطوا علينا نحن الشيوعيين احد المعتوهين لديهم، اسمه "شلال". فكان يستفز الجميع بأسلوب تأنف منه حتى بائعات الهوى، وعند مفاتحتهم بإساءاته وأساليبه الدنيئة، كانوا يضحكون ويقولون (أنتم تعرفونه مخبل) ولا نستطيع ردعه!
وكم من " مخبل" على طريقته الخاصة هذه الأيام ؟!
الآن وفي اجواء الحراك الجماهيري المطالب بإصلاح وتغيير العملية السياسية التي بنيت على رمال المحاصصة والطائفية السياسية، وثمرته المباشرة في الارتقاء بوعي المواطن العراقي سياسيا واجتماعياً إلى مديات جديدة، مما دفع الكثيرين الى تبني الافكار والطروحات المدنية والديمقراطية، باعتبارها الدواء الذي لا غنى عنه للشفاء من السرطان الطائفي والقومي والعشائري. وتوّج كل ذلك بانبثاق الإطار السياسي التنظيمي لحاملي هذه الأفكار و الطروحات النبيلة المتمثل في تحالف "سائرون" وتحوله على جناح السرعة إلى بؤرة جذب وعامل استقطاب رئيسيين لكل الخيرين في العراق، الحريصين على انتشاله من المستنقع الاَسن، الذي أغرقه به الفاسدون.
في هذه الأجواء التي أعادت شيئا من الأمل والتفاؤل الى العراقيين، لا سيما وان الانتخابات على الابواب، ينطلق اكثر من بوق من الأبواق المعادية للشعب العراقي، ومن المصرّين على إبقائه في حالة التخلف والضياع والخراب الشامل، وعلى طريقة (شلال معتوه البعث) او ما يشابهها لتشويه سمعة المدنيين والعلمانيين، والدعوة الى قتلهم، وهو ما يحاسب عليه القانون والدستور.
ومن بين هؤلاء "الكفيشي" الذي يبدو انه لم يتعظ لحد الان بمصير من سبقوه، الذين أرادوا زرع الفتنة والحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد، وأين استقر بهم المقام في نهاية المطاف!
لكن العتب ليس عليه شخصيا بقدر ما هو على الفضائية التي تسمح له بتقديم هذه البضاعة الفاسدة، والمستلة من كهوف مظلمة لا ذبالة للنور فيها، ضد أحزاب وقوى سياسية يشهد لها القاصي والداني بالنزاهة والكفاءة والوطنية، والايمان المطلق بالديمقراطية وبتداول السلطة سلمياً، بعيداً عن تسطيح الوعي وتشويهه ورشوة البسطاء والمحتاجين.
والعتاب بل اللوم الأكبر للجهة التي تملك القناة الفضائية، ولا تحرك ساكناً، بل تسكت (ويقال ان السكوت من الرضا) فيما يستمر هذا التهديد للسلم الأهلي وفئات واسعة من مجتمعنا.
لمجابهة هذا الخروج على القانون والدستور ، لابّد من الاحتكام الى القضاء ومعاقبة دعاة التفرقة والانتقام. وقبل هذا وذاك على المدنيين والديمقراطيين مضاعفة جهودهم والعمل بكل طاقاتهم وإمكانياتهم التي تتسع يوماً بعد أخر، في الوصول إلى الناس في محتشداتهم، وأماكن تجمعهم، لإقناعهم بالتصويت لمن يحملون الوطن في أفئدتهم، للحريصين على مصالح وحقوق الكادحين والفقراء حرصهم على حدقات عيونهم.

عرض مقالات: