قبل ايام تعرضت مخازن المشراق في محافظة نينوى الى حرائق كبيرة لم تستفز مشاعر اهالي المحافظة فقط وانما كل من يملك حسا وطنيا مهتما باقتصاد وثروة العراق المعدنية، فحريق كبريت المشراق من الحوادث الخطيرة التي تؤدي الى نتائج اقتصادية وسياسية وامنية مركبة وما اعلان النفير العام في هذه المحافظة الا دليل على حجم المخاطر العصيبة التي تتعرض لها المدينة في اوقات متتابعة والتي لم تعطها الحكومتان المحلية والاتحادية ما ينبغي من الحذر والتحوط الكافيين. فواقعة غرق العبارة ثم حرائق المحاصيل الزراعية ليتبعها حريق مخازن الكبريت التي قد لا تكون الاخيرة امام الحكومتين حزمة من الاسئلة تبحث عن اجابات محددة وملموسة عن الاسباب والنتائج والتحوطات اللاحقة بدون اي شكل اشكال التبرير والتورية.
ان خطورة نتائج هذه الحرائق وتنوعها يوجب التوقف عند القيمة الاقتصادية لكبريت المشراق والمخاطر التي تتهدده بوصفه مورداً اقتصادياً مهماً لم يحض باهتمام الحكومة المركزية كما ينبغي فالكبريت بحد ذاته سواء الموجود في محافظة نينوى او المكتشف في محافظة واسط او احتمال اكتشافه في مناطق اخرى من ارض العراق المعطاء مادة استراتيجية تستخدم في العديد من الاستخدامات الصناعية فضلا عن كونه اهم عنصر كيميائي يحتل مكانة تجارية مهمة على المستوى العالمي تتعدى استخداماته في انتاج الاصباغ ودهانات الطلاء وصناعة الورق والمنسوجات وعدد من الكيميائيات وفي انواع من الاسمدة والمبيدات والمطاط والشامبو والبطاريات الصناعية وكذلك في عمليات تكرير النفط وصناعة الادوية والمواد الكيمياوية المستخدمة في افلام التصوير.
ولأهمية مادة الكبريت تلك فقد تعاظم الاهتمام بها على المستوى العالمي ففي البحرين انعقد المؤتمر الخامس للكيمياء في الصناعة لبحث التحديات الخاصة بالتخلص من الشوائب التي تصاحب مادة الكبريت في حالته الطبيعية شارك فيه العديد من الدول التي تمتلك هذه المادة وتسعى الى توسيع انتاجها ومن بينها العراق وقد خلص المؤتمر الى مجموعة من التوصيات أهمها استقطاب الافكار الجديدة في مجال التكنولوجيا العالمية وتكثيف حملات التوعية وخاصة في قطاعات الصناعة.
وعلى الرغم من الاهتمام العالمي بهذه المادة في المؤتمر المذكور وقبله وبعده الا ان الجدية في إنتاجه من قبل حكوماتنا ما بعد 2003 لم تكن بمستوى قيمته الاقتصادية على الضد من الاهتمامات السابقة لها فالعراق يمتلك احتياطيا كبيرا من الكبريت الرسوبي يقدر ب 600 مليون طن في منطقة المشراق جنوبي الموصل الذي يعد من اهم الحقول في عملية انتاج الكبريت المنجمي وهو اعلى معدل في العالم مما يجعل الفرص متاحة امام العراق في انتاج المزيد من مادة الكبريت ليس فقط للاستهلاك المحلي وانما للتصدير الى خارج العراق بعد دراسة الاسواق العالمية المستهلكة لهذه السلعة الاستراتيجية .
ان الكبريت بوصفه ثروة معدنية مطمورة تحت الارض يتقارب مع النفط من حيث التوصيف الدستوري لذلك يعتبر ملكا للشعب العراق وان التعامل معه من حيث الملكية والانتاج ينبغي ان ينطلق من هذه الحقيقية ولأجل توسيع انتاجه وطنيا نقترح ما يلي:
1.
قيام الحكومة باتخاذ الاجراءات الاحتياطية الكافية لدرء المخاطر الناجمة عن استمرار حرائق المحاصيل الزراعية والكبريت وربما تتجاوز ذلك الى مصادر الطاقة الاخرى تحت مختلف الظروف وان تكون اجهزتها الامنية مستعدة بكامل جهوزيتها، من خلال رسم خارطة تفصيلية بيئية امنية متكاملة لارتباط ذلك بالأمن الوطني.
2.
وضع الخطط الضرورية للتنسيق بين وزارات التخطيط والصناعة والزراعة ووزارة الصحة والنفط وبقية الوزارات ذات العلاقة والشركات الصناعية الوطنية وتقديم الدعم الكامل للشركة العامة لكبريت المشراق واسناد مشاريعها في حفر المزيد من الابار وأتمتة خطوط الانتاج في مصانعها لتدعيم عملية الانتاج بما يلبي حاجة الطلب المحلي.
3.
إدخال عملية الاستثمار في انتاج الكبريت في البرنامج الحكومي للأعوام القادمة من خلال عقود خدمة عادلة او الاستثمار الخاص في بعض مراحل الانتاج. وتقديم الدعم المالي الكافي لتنشيط عملية الانتاج.

عرض مقالات: